لماذا تجدّد المذابح في العراق؟
سعد محيو
من وراء تجدد المذابح في العراق؟ ثمة اجتهادان، الأول أمني، والثاني سياسي.
الاجتهاد الأمني يقول إن السلطات العراقية بالغت في التفاؤل حيال قدرة الأجهزة الأمنية العراقية على الإمساك بالأوضاع، انطلاقاً من تفكير رغائبي.
فالجيش العراقي الذي لايزال قيد البناء، لم يتحوّل بعد إلى مؤسسة محترفة ومستقلة. وولاء جنوده وضباطه، الذين تحدّر معظمهم من ميليشيات طائفية، لايزال للحزب أو العشيرة أو المذهب. والفساد وهدر الأموال بات ظاهرة ثابتة فيه، فيما الإشراف الأمريكي عليه على المستويات التدريبة والتسليحية والعقيدية زاد الطين المبلول بلة.
ثمة تقرير نشر قبل أسبوعين يؤكد هذه المعطيات. فقد قال مستشار عسكري بارز في الجيش الأمريكي، وهو الكولونيل تيموثي ريز، إن “السمات غير السعيدة” لقوات الأمن العراقية هي الفساد، والإدارة السيئة، والفشل في مقاومة ضغوط الأحزاب الطائفية وتدخلها في شؤون الجيش”.
ثمة مبالغة أمنية أخرى غرق في لججها المسؤولون العراقيون، وهي الاعتقاد بأن الحملة العسكرية الأمريكية الأخيرة التي تمت في نهايات عهد بوش، هي التي انقذت البلاد من أجواء الحرب الأهلية المذهبية التي سادتها العام ،2006 فيما الحقيقة أن النجاح الأمريكي لم يكن عسكرياً بل سياسياً، وأن العنف لم يتراجع إلا بعد أن “أقنع” الامريكيون سكان الأنبار بالتصدي لتنظيم “القاعدة” في مدنهم وبلداتهم.
هذا عن التفسير الأمني، اما التفسير السياسي فهو يرى في عودة أشباح القتل والتدمير، دليلاً على أن سياسات رئيس الحكومة نوري المالكي ليست كافية لتحصين البلاد من الإرهاب. صحيح أن المالكي بدأ يقلع عنه مؤخراً العمامة الطائفية ويرتدي بدلاً منها القبعة الوطنية العراقية الشهيرة، إلا أن هذا التوّجه لم يتحوّل إلى برنامج سياسي وطني محدد المعالم وقادر على مساعدة العراقيين على العبور من وهدة الانقسامات ما قبل الحديثة (المذهبية والقبلية والمناطقية) إلى فضاء الهوية الوطنية الحديثة.
لغة المالكي تغيّرت، لكن السياسات العامة بقيت على حالها. وهذا ما جعل البلاد قابلة للانفجار، على رغم ان قادة الحركات السنيّة (وعلى عكس ما جرى العام 2006) رفضوا الهجمات الانتحارية الاخيرة ونددوا بها بقوة. وهذا تماهى إلى حد بعيد مع القرار الحكيم الذي اتخذه آية الله السيستاني وبقية الأطراف الشيعية بعدم الرد على هذه الهجمات، رغم قسوتها وكوارثها.
ثم هناك تفسير سياسي آخر، لكن ليس محلياً عراقياً بل إقليمياً هذه المرة، يرى أن انسحاب القوات الأمريكية من المدن والتلويح بجلاء كامل العام ،2011 تسبّب في إطلاق صراع على النفوذ بين القوى الإقليمية الفاعلة على الساحة العراقية، هدفه التأثير على الوجهة المستقبلية للسفينة العراقية. وهذا الصراع يترجم نفسه الآن في دعم الأطراف الإقليمية لتيارات عراقية مختلفة، بما فيها المنظمات الأصولية المتطرفة.
أي الاجتهادين على حق: الأمني أم السياسي؟ الثاني على الأرجح. إذ لا أمن من دون سياسة. وهذا، على أي حال، كان الدرس الأول والاهم للحرب الأهلية في لبنان ولبقية الحروب الأهلية في العالم، حيث كان الامن يوفّر وقف إطلاق نار وهدنات مؤقتة، فيما الحل النهائي والسلام هو في يد السياسة.
والسياسة هي المطلوبة الآن لإخراج العراق من أتون المذابح المتجددة. أي سياسة؟ الوطنية بالطبع. الوطنية حتى الثمالة.
الخليج