المصالح أولاً
جورج علم
تمكّن لبنان من أن يحقق انتصارا معنويّا في مجلس الامن: لا تغيير في مهمّة (اليونيفيل). سعت إسرائيل بشكل جدّي الى إحداث تعديل ولو طفيف في قواعد الاشتباك، وكان الهدف دفع القرار 1701 الى التعديل، إلاّ ان المحاولة باءت بالفشل لإسباب أخذها المجتمع الدولي بعين الاعتبار، أبرزها ان التقارير الواردة من الناقورة الى نيويورك تتحدث عن عدد وحجم ونوعيّة الخروقات الإسرائيليّة شبه اليوميّة لهذا القرار، فضلا عن أن تل أبيب ما كانت يوما في صفوف القوى الداعمة «للقبعات الزرق» في الجنوب، بقدر ما كانت هدفا تصوّب باتجاهها، وتشككّ بفاعليّة انتشارها، او بالمهام المسندة اليها، وتتعاطى معها «كمجموعات تتجسس» لصالح دولها أكثر مما هي مؤتمنة على تنفيذ القرارات التي جاءت من أجل وضعها موضع التنفيذ.
ومارست الدبلوماسيّة الأميركيّة ازدواجيّة، فمن جهة أبدت تفهّما «للطحشة» الإسرائيليّة الهادفة الى تغيير قواعد الاشتباك، وتصرفت من جهة أخرى من موقع الحرص على أواصر التعاون بين الجيش وقوات (اليونيفيل) لترسيخ أجواء الهدوء والاستقرار، فرفضت الإدارة الاميركيّة سياسة الابتزاز الاسرائيليّة، بعدما رفضت الحكومة الإسرائيليّة الانصياع لتوجهات الإدارة الاميركيّة بوقف بناء المستوطنات.
ويتصرّف الأوروبيّون وكأنهم «أم الصبي»، فالبوارج في بحر صور تابعة لقواتهم المشتركة، والكتائب العملانيّة على الارض معظمها من جنسيات أوروبيّة، و«ليس هناك من هو أحرص منّا على أبنائنا فلذات أكبادنا».
ومع ذلك، لا مكان للعاطفة، والدور الأوروبي مع تعديل مهام (اليونيفيل) وتغيير قواعد اشتباكها، إنما في الوقت المناسب، وعندما يتوافر المعطى المؤاتي ولعبة المصالح. أما الآن فمع القرار 1701 كما هو، وأي تنفيذ لبنوده او تعديل لها لا بدّ من أن يأتي نتيجة درس وتنسيق مع الإدارة الاميركيّة، وهذه غير متحمّسة في الوقت الراهن «لأن الجزئيات لا تتقدّم على الأولويات، والأولوية هنا لرؤية الرئيس باراك أوباما، وللخطط التنفيذيّة التي يعمل عليها، والأولوية أيضا لتحريك مجموعة من الملفات، منها الملف الإيراني بعد الانتخابات الرئاسيّة وما رافقها، والقبول الإيراني بفرق التفتيش التابعة لوكالة الطاقة الذريّة بمعاينة بعض منشآتها النوويّة بعد طول رفض وامتناع، وعودة العراق الى دوامة الدم، وارتفاع أصوات مطالبة باستمرار القوات الأميركيّة كضمانة للأمن، ووصول ما تبقى من القضيّة الفلسطينيّة الى خيارات مصيريّة بعد فشل الحوار، وانتعاش «الثنائية» على حساب وحدة المرجعيّة، ووحدة القرار، والخيار المشترك.
ويبقى الحديث عن احتمال تغيير ما في المشهد الجنوبي خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فالقرار لا يطبخ هنالك بل يخرّج، أما التغيير فهو الذي يفرض نفسه كأمر واقع على أرض الواقع، وهو رهن تحولات منها: ان الأولوية هي للمسار السوري، فيما يتعامل المجتمع الدولي مع المسار اللبناني، على أنه مجرّد امتداد للأول، ومكمّل له.
ومن التحولات ان القرار 1701 ليس بحاجة الى حرب جديدة لكي يعدّل او ينفّذ، بل بحاجة الى تغيير في النظرة اليه من قبل حرّاسه الدولييّن الذين يمسكون بناصية القرار دبلوماسيّا في مجلس الأمن وعملانيّا من خلال (اليونيفيل). ومن التحولات اخيرا وليس آخرا اقتناع الغرب الاوروبي والاميركي بأن «حزب الله» ليس منتشرا فقط في الجنوب بل أيضا في عمق مكونات القرار اللبناني.