الأكثرية: عون فقد السيطرة ودمشق تعمّدت عبرالبعث كشف التواصل معه
لم تبدّد عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى بيروت مساء الاثنين بعد زيارة خاصة للسعودية أجواء المراوحة والجمود التي تسود عملية تشكيل الحكومة، رغم مسارعته الى تأكيد سياسة اليد الممدودة في أول إفطار أقامه في العاصمة اللبنانية.
وتتقاطع معطيات عدة لتشير الى ان الازمة الحكومية التي تشارف بلوغ الشهرين من عمرها غداً، لا تبدو مرشحة لنهاية سعيدة وشيكة، بل ان الكثير من الوقائع الداخلية والخارجية تحمل على الاعتقاد ان كفة التأزيم لا تزال راجحة تماماً على كفة احتمالات الانفراج. فعلى الصعيد الداخلي، تشير المواقف الاخيرة للأطراف المعنية بالازمة لا سيما رئيس « تكتل التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون، ان هؤلاء إما اوصلوا الازمة عمداً الى سقف صار صعباً جداً التراجع عنه لأهداف معلنة ومضمرة قد تتضح تباعاً، وإما انهم اصبحوا اسرى مواقفهم والشروط شبه التعجيزية التي يطرحونها على غرار ما فعل عون نفسه في موضوع توزير صهره جبران باسيل (الراسب في الانتخابات) والإصرار على حقيبة سيادية هي الداخلية (من حصة رئيس الجمهورية).
وفي رأي اوساط قريبة من الغالبية النيابية، ان عون نفسه فقد السيطرة على شروطه ولم يعد زمام الامر في يده بعدما ارتسمت ملامح التوظيف السوري لموقفه، في التعليق الذي اوردته صحيفة «البعث» قبل يومين والذي تبنت فيه مفرداته لا سيما وصفه للحريري بانه «النائب المكلف».
وتقول هذه الاوساط لـ «الراي» ان هذا التطور يكشف بوضوح تعمد دمشق كشف تواصلها المباشر او غير المباشر مع عون تحديداً في عرقلته لتشكيل الحكومة، ما يفترض معه اعادة قراءة الوضع برمته من جديد . ففي حين كانت كل المعطيات تشير الى تجدد الرهانات على المسار السوري – السعودي لتسهيل تأليف الحكومة، بدأت ترتسم في الساعات الاخيرة وللمرة الاولى وبهذا الوضوح ملامح كباش اميركي – سوري حول الوضع في لبنان من شأنه ان يفاقم الوضع المتأزم الذي ساده في الشهرين الماضيين.
وجاء تحميل واشنطن لدمشق مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة على ما اوردت احدى الصحف اللبنانية امس، نقلا عن مسؤول اميركي بارز، ليعطي صدقية كاملة لبعض القراءات التي ربطت تأخير تشكيل الحكومة بعرقلة اقليمية مقصودة الهدف منها جعل الوضع اللبناني رهينة تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية. حتى ان اصحاب هذه القراءات، اعتبروا ان البيان الصادر عن القمة السورية – الايرانية الاخيرة كان بمثابة «امر عمليات» للقوى المعارضة للمضي في تصليب شروطها حيال تشكيل الحكومة.
وتقول الاوساط نفسها ان من هذه الزاوية تحديدا تعمد رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط قبل يومين اصدار بيان عن «الحزب التقدمي الاشتراكي» حمل فيه بحدة لاذعة على شروط عون، داعيا الى تسهيل مهمة الرئيس المكلف. واعتُبر موقف جنبلاط انه بمثابة اعادة توازن واضحة الى مسار عملية التأليف بعدما استشعر مضي عون وحلفاء سورية بعيدا في عملية توظيف التمايُز الذي أبداه في الفترة الاخيرة عن حلفائه لمصلحة تحسين شروطهم ، كما بدا موقف «التقدمي» رسالة مباشرة الى زعيم «التيار الحر» بان اي لقاء معه لن يتمّ قبل تأليف الحكومة.
في ضوء ذلك، يبدو بارزا ان بعض الاوساط المعنية بتأليف الحكومة عادت تركز على ضرورة ان يضطلع الرئيس ميشال سليمان بالدور الانقاذي الذي ينيطه به دوره الدستوري في عملية تشكيل الحكومة. ووفق هذه الاوساط، فان هذا الامر تجرى مناقشته بدأب بحثاً عما يمكن ان يجترحه سليمان من مخارج ترضي جميع الفرقاء من جهة، وتضمن اضطلاعه والرئيس المكلف بصلاحياتهما الدستورية من جهة مقابلة.
وفيما ينتظر ان يعقد في الساعات المقبلة، لقاء بين سليمان والحريري للبحث في مجمل تعقيدات الازمة، تعتبر الاوساط نفسها ان الايام القليلة المقبلة ستشكل مؤشراً كافياً لمعرفة اذا كان ثمة فرصة لاحداث ثغرة في جدار الازمة ام ان ملامح التعقيدات الخارجية ستتوالى اكثر فاكثر، الامر الذي يرجح حينذاك معادلة انتظار شهر رمضان وما بعده. ولعل المحاذير التي بدأ يكثر الحديث عنها، تتمثل في الوتيرة المشبوهة لاحداث امنية شبه يومية ولو انها تكتسب طابعاً فردياً على غرار ما حصل في الايام الاخيرة في الشمال والبقاع. وبدأت هذه الوتيرة ترسم علامات شكوك حول المناخ الامني واذا كانت مقدمات لامور اكبر او استدراج لمناخات التوتير بغية الضغط على عملية تأليف الحكومة، علماً ان مثار الخشية هنا يعود الى ان ما يجرى يذكر بكل المحطات السابقة التي كانت التفجيرات الامنية فيها وسيلة ضغط لفرض شروط على تسويات وحلول معينة. وكان الحريري اكد خلال الإفطار الذي أقامه غروب الاثنين لـ «جيران قريطم» (حيث دارته)، «الحرص على تشكيل الحكومة بأسرع وقت» آملاً في «ان يتم ذلك من خلال الحوار الهادئ بين كل الاطراف السياسية».
واشار الى «ان الجميع يعرفون ان بحسب الدستور، فإن الرئيس المكلف هو الذي يتولى تشكيل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وهذا الامر لا يشكل انتقاصا من احد بل هو حق دستوري للرئيس المكلف ولرئيس الجمهورية».
واوضح انه «يحق لكل فريق ان يتخذ الموقف الذي يريده وان يطرح ما يريده، ولكن تشكيل الحكومة منوط بالرئيس المكلف بالتعاون مع فخامة الرئيس»، مشيراً الى انه لا يرى طائلا «من الكلام العلني خلال المشاورات» بل يرى ضرورة للحوار «لانني متأكد ان ما يجمعنا هو اكثر بكثير مما يفرق بيننا، ولسنا مقصّرين بالتشاور مع احد».
في المقابل، اعلن عون، أن فريق «14 مارس» يريد منه أن «يشرب من البئر التي أضاعت صوابهم، حتى يكون هناك تفاهم في ما بينهم»، سائلاً «كيف يمكن سعد الحريري أن يدعوني إلى غداء أو عشاء، فيما يطلق من حوله حملة مسعورة ضدي وضد التيار وضد كل ما أمثّله»؟ مضيفاً: «نحن مثل مركز الثقل السياسي عند المسيحيين في لبنان (…) وأقول بصراحة، إن أي حكومة لا تلبّي حقوقنا لن تبصر النور».
وفي شأن اللقاء بينه وبين جنبلاط، لفت عون إلى أنه ليس «ضد التفاهم مع أحد، لكنني أبحث عن مضمون لأي لقاء سياسي، ولست مهتماً بالشكل، وقلت للوسطاء إنني مستعد في أي وقت للقاء جنبلاط، لكن لنتفق على أن علينا البحث في أمور كثيرة، من بينها تعزيز آليات العيش المشترك في الجبل، وهو لا يريد ذلك، فلماذا يحصل اللقاء»؟
الرأي العام