اسرائيلصفحات العالم

نتنياهو يهزم أوباما

سميح صعب
يحاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مقايضة تجميد الاستيطان في الضفة الغربية باستمراره في القدس الشرقية. وهذه محاولة لاسترضاء الرئيس الاميركي باراك اوباما من جهة، ولعدم اغضاب الاحزاب القومية والدينية المتطرفة التي تشكل اساس ائتلافه الحكومي، من جهة أخرى.
ويدرك نتنياهو ان التجميد الكامل للاستيطان سيسقطه داخلياً، ويدرك ايضاً ان عدم تجميده الاستيطان في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية، سيسقطه خارجياً. فلجأ الى الامساك بالعصا من منتصفها فكان سعيه الى التوفيق بين مطالب المتشددين الاسرائيليين وادارة اوباما.
على ان نتنياهو يصور قرار التجميد الموقت للاستيطان بأنه تنازل مؤلم تقدم عليه اسرائيل، واذا لم يحصل على ثمن في المقابل فإنه لن يتمكن من المضي فيه. والثمن لن يكون فلسطينياً فحسب، من مثل الاعتراف باسرائيل دولة يهودية خالصة، بل يتعداه الى انفتاح دول عربية على الدولة العبرية وبدء مسيرة التطبيع معها.
ليس هذا فحسب، بل ان نتنياهو ذهب الى بريطانيا والمانيا قبل ايام كي يتقاضى ثمناً اوروبياً لتجميد موقت للاستيطان في الضفة الغربية من دون القدس الشرقية. والثمن الاوروبي يتمثل في تلبية المطلب الاسرائيلي بفرض عقوبات جديدة على ايران لحملها على وقف برنامجها النووي.
هذه كلها أثمان يريد نتنياهو تقاضيها في مقابل القبول بتجميد موقت للاستيطان في الضفة الغربية، وقبل ان يتضح ما اذا كانت اسرائيل تريد فعلاً الوصول بالتفاوض الى مرحلة انشاء الدولة الفلسطينية. ولئن تكن ادارة اوباما لا تفضل في النهاية عدم استكمال الضغوط على اسرائيل حتى حدود المواجهة، فإنها باتت ميالة الى المساومة على مطلبها الاساسي بالتجميد الكامل للاستيطان في الضفة والقدس الشرقية.
وعندما يقبل نتنياهو بوقف موقت للاستيطان في الضفة، سيعتبر اوباما انه حقق نصف انتصار في معركته مع نتنياهو، في حين يدرك ان ليس في امكانه، تحقيق انتصار كامل لأن ليس في امكانه امام المعارضة التي يواجهها من الكونغرس واللوبي اليهودي المضي اكثر في الضغوط.
وحتى بهذا التنازل الزهيد، فإن اوباما مطالب اسرائيلياً باقناع العرب بالبدء بمسيرة التطبيع مع اسرائيل وعدم الانتظار حتى قيام الدولة الفلسطينية. ومطلوب اسرائيلياً ايضاً ان تقنع واشنطن الدول العربية المترددة بانشاء جبهة واحدة مع اسرائيل ضد ايران، أن تتخلى عن التردد في هذا الشأن.
وليس العرب وحدهم مطالبون بدفع الاثمان، بل ان واشنطن نفسها ستكون مطالبة بالتخلي عن سياسة العصا والجزرة حيال ايران، وان تتبع فقط سياسة العصا. هذا ما قاله نتنياهو لزعماء بريطانيا والمانيا هذا الاسبوع. وهذا ما سيقوله ايضاً لاوباما عندما يلتقيه في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة الشهر المقبل.
واستناداً الى هذه المعطيات، ستخرج اسرائيل وحدها رابحة من عملية التسوية، لأنه وحدها من يتقاضى الاثمان، وان الفلسطينيين والعرب هم من سيواصلون مسيرة التنازلات. فالسلام اذا أتى سيكون مكبلاً بالشروط الاسرائيلية. فالدولة الفلسطينية العتيدة هي في التصور الاسرائيلي دولة منقوصة، ولن تكون كاملة السيادة، ولا على اراضي 1967 كاملة.
ولئن يكن العرب ألغوا خياراتهم الاخرى، فإن اسرائيل تكتفي بالنزر القليل مما تعطيهم اياه.
ويبدو ان العرب تخلوا حتى عن المقاومة الاعلامية لاسرائيل حتى لا يتهمون بالتحريض على الدولة العبرية وممارسة الارهاب. وحبذا لو تشبّه اعلام العرب بالصحيفة الاسوجية التي تجرأت على نشر تقريرين عن متاجرة الجيش الاسرائيلي باعضاء القتلى الفلسطينيين. ولو تشبّه الزعماء العرب برئيس الوزراء الاسوجي الذي رفض الاعتذار لاسرائيل.
لذلك، فإن أنصاف الحلول المعروضة على الفلسطينيين اليوم لن تجلب السلام في مفهومه العادل والدائم، بل تجلب سلاماً موقتاً ودولة موقتة، بينما المطلوب هو أكثر من ذلك.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى