معركة تربوية
ساطع نور الدين
لم يلتفت احد الى الرسالة التي وجهها رئيس وزراء حكومة حماس في قطاع غزة اسماعيل هنية الى العرب والمسلمين في مناسبة حلول شهر رمضان، ودعاهم فيها الى التحرك السريع لفك الحصار المفروض على مليون ونصف مليون فلسطيني، لان الرجل ليس قادرا على الاقناع، ولان الجمهور ليس راغبا في الاستماع.. ولان القضية تسقط يوما بعد يوم في دائرة النسيان، بفضل حماس نفسها التي تنتهز كل فرصة ممكنة لكي تتسبب بتعميق الهوة بين الفلسطينيين انفسهم وبينهم وبين العالم الخارجي كله، ولو بواسطة حجاب!
لم يستمع احد الى رسالة هنية، الذي تحول من رئيس وزراء مسؤول عن شعب او عن جزء كبير من شعب ، الى داعية اسلامي يؤم الصلوات في المساجد ويجوّد القرآن عبر اثير الاذاعة، ويمضي اوقات فراغه الباقية في لعب كرة القدم.. ويصدر بين الحين والآخر قرارات رسمية مدوية، لا يمكن لاي فلسطيني محاصر ان يحلم بها، او ان يفسرها الا باعتبارها انفصاما تاما لقيادته عن الواقع.
مع الرسالة الرمضانية المؤثرة، قررت حكومة حماس وبلا أي منطق، بدء العام الدراسي في القطاع الاحد الماضي قبل اسبوع على موعده المقرر في الضفة الغربية، وأرفقته بتدبير اداري يقضي بفرض الزي الاسلامي المكون من جلباب كحلي وغطاء ابيض للرأس على جميع مدارس الفتيات في غزة، وبإجراء تعسفي يقضي بتأنيث تلك المدارس عبر منع الاداريين والمعلمين الذكور من دخولها تحت أي ظرف كان.
القطاع التربوي هو مجال حيوي لاي حركة اسلامية، وقد سبق لحماس ان استخدمته كقاعدة للتأسيس ومنصة للانتشار ومركز للتوجيه والتأثير.. الى ان اصبح عنوانا اضافيا للانقسام مع السلطة الفلسطينية، كاد يتسبب بتعطيل اعوام دراسية سابقة نتيجة اضرابات المعلمين والطلاب واحتجاجات الاهالي الذين لا يدينون بالولاء للحركة ولا يقبـــلون قراراتها المستندة الى نصوص اسلامية غير مثبتة او على الاقل غير متطابقة مع معايير العصر.
هذه السنة، لن يكون العام الدراسي في غزة على الارجح مهددا، لانه خرج من دائرة الخطر الذي يمثله جمهور حيوي فقد الكثير من مقومات حيويته نتيجة الضربات الاسرائيلية المتلاحقة، والانتهاكات الاسلامية لثقافته ووعيه، والتي لم تكتف بفرض الفصل بين الجنسين في مدارس شعب يحتاج الى كل طاقاته للصمود والبقاء، بل عمدت الى فرض الحجاب المعطل لروح الفتيات الصغيرات، وإلى حرمانهن من شريحة واسعة من المدرسين الذين لا يمكن تعويضهم بمدرسات نساء يغطين ذلك الفراغ الهائل في قاعات الدراسة المغلقة والذي لا يقتصر على المنهاج التعليمي المقرر.
هي علامة جديدة على انهيار الشعب الفلسطيني الذي ابتلي بقيادات نذرت نفسها من جهة لنشر الرسالة الاسلامية، او كرست نفسها من جهة اخرى للتسليم بدعاوى دينية اخرى..على مرأى ومسمع من الامة التي ملت من متابعة تلك الفضيحة.
السفير