غزة بالجلباب!
الياس خوري
تبدو مسألة فرض الجلباب الأزرق على طالبات المدارس الرسمية في غزة مضحكة. والضحك مثلما علمّنا برغسون هو ابن المفاجأة والمفارقة. اللامتوقع مضحك، واللامنطقي مثير للسخرية. والضحك في حال غزة نابع من عدم استيعاب قادة حماس، لحكمهم في وصفه مسرحية. فحماس تحكم منطقة محاصرة، وهي في القانون الدولي منطقة محتلة بكل ما في الكلمة من معنى. ومثلما تبدو مظاهر السلطة وبروتوكولاتها مضحكة في رام الله، تبدو مظاهر فرض قيم الامارة الاسلامية، وطقوسها وازيائها مثيرة للشفقة في غزة.
بدأت الأمور بالسباحة، وانتهت الى فرض الجلباب، وغدا سيقيمون الحد، وتبدأ حفلة قطع الأيدي والرؤوس. المسألة، بالنسبة لي لا علاقة لها بالايديولوجيا. فالاخوان المسلمون الفلسطينيون، الذين اتخذوا اسم حماس، يستطيعون الايمان بما يشاؤون، وهم احرار في ذلك. بل ومن حقهم الدعوة والتبشير بمعتقداتهم وآرائهم. لكن ان تتحول هذه الآراء الى ممارسة مفروضة بقوة السلطة وجبروتها، فهنا يقع السؤال.
وسؤالي ليس فقهيا، ولا اريد الآن الدخول في نقاش حول وجود زي اسلامي او عدمه. فهذه مسألة اشكالية وتحتاج الى نقاش خاص. سؤالي سياسي واجتماعي فقط، وهو ينطلق من واقعين:
الواقع الأول هو الانقسام الفلسطيني، الذي شطر فلسطين المحتلة الى قسمين. فرضت حماس سيطرتها بالعنف على غزة. لكن الخطاب الحمساوي المعلن، لم يكن مرة خطابا تقسيميا. بل تدعي حماس، مثلما تدعي فتح، بأنها تسعى الى وفاق وطني، والى استعادة الوحدة بين غزة والضفة الغربية.
غير ان الممارسة ‘الاماراتية’ في القطاع تنبئ بغير ذلك. كأن حماس تريد فرض امر واقع لا يمكن الرجوع عنه، وسيكون عقبة اضافية في وجه مساعي بناء الوحدة الوطنية. لنفترض جدلا، ان حكومة سلام فياض، العلمانية، قامت باجراءات معاكسة، كأن تمنع الحجاب في المدارس الرسمية. سوف تقوم الدنيا ولا تقعد ضد القمع وضد امتهان الكرامات. بالطبع ان اجراء كهذا، هو اجراء قمعي ويجب معارضته. لكن المفارقة ان الاسلاميين يقاومون القمع حين يتعلق الأمر بهم، ويقمعون حين يتعلق الأمر بغيرهم.
تحويل غزة الى امارة، وهذا يتم من دون اي اعلان رسمي، يعني تحويل انفصال القطاع عن الضفة الغربية الى واقع دائم.
هل هذا ما تريده حماس وتسعى اليه؟
الواقع الثاني، هو الاحتلال الاسرائيلي. حماس نشأت، مثلما نشأت فتح من اجل مقاومة الاحتلال. لكن الأولى مشغولة بتثبيت بناء الامارة في غزة، بينما تنشغل الثانية بتثبيت سلطتها في الضفة الغربية.
المسألة محيّرة على جميع المستويات. هل عاد الاخوان المسلمون الفلسطينيون الى طرحهم القديم؟
كلنا نعلم ان الاخوان رفضوا المشاركة في المقاومة الفلسطينية، منذ انطلاقتها عام 1965 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى. كان الرفض بسبب علمانية المقاومة من جهة، وبناء المجتمع الاسلامي اولا، من جهة ثانية. هل وصلت حماس الى استنتاج مشابه بعد استيلائها على السلطة في غزة، وبعد الدمار الوحشي الذي تعرض له القطاع خلال العدوان الاسرائيلي؟ هل نحن امام ‘تعليق’ للمقاومة، بهدف بناء امارة اسلامية؟ اي هل هذه هي الهدنة الطويلة التي تريدها حماس، بحيث تستطيع بناء مجتمعها الاسلامي تحت الاحتلال؟
المفارق ان الاسرائيليين رغم الخلافات السياسية العاصفة التي تجتاح مجتمعهم السياسي، يواصلون سياسة الاستيطان الوحشية. اي يبنون القاعدة المادية التي ستجعل من الدولة الفلسطينية وهما. كما ان تياراتهم الفاشية والعنصرية، تنتشي باخبار الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. في غزة هناك وهم بناء الامارة، وفي الضفة وهم بناء السلطة، ولا وجود لأي مقاومة.
يجد الاسرائيليون انفسهم مطلقي الأيدي، في التنمّر، لا احد يقدم رؤية سياسية لانهاء الاحتلال مصحوبة بمشروع مقاوم. المجتمعات كالافراد يمكن ان تصاب بالغيبوبة، كما يمكن ان تفقد توازنها النفسي والفكري.
هل تعيش فلسطين هذه اللحظة، بعد فشل الانتفاضة الثانية، وبعد غياب القيادة التاريخية الفلسطينية؟
لكن شر البلية ما يضحك، كما قالت العرب.
‘وقفت مديرة مدرسة ثانوية خلال طابور الصباح واعلنت انها ستطرد اي طالبة لا ترتدي الجلباب الكحلي وغطاء الرأس’.
اما سبب هذا القرار فيأتي على لسان محمود ابو حصيرة، مدير التربية والتعليم لغرب غزة، معلنا ان هناك قرارا من مديرية التعليم في غزة ‘بتأنيث المدارس’، اي منع الرجال من اداريين ومدرسين من العمل في جميع مدارس البنات في جميع المراحل.
غير ان ما اعتبره المدير الحصيف تأنيثا، رأت فيه طالبة في الخامسة عشرة من عمرها اعتداء على الطفولة، فقالت: ‘يمكن ان نتقبّل كل شيء ما عدا الجلباب، فهو يمحو آثار الطفولة، ويظهرنا كبيرات في السن’.
نحن نهتم بستر عوراتنا والاسرائيليون ينتهكون الأرض!
فابشروا ايها العرب، بزمن انحطاط مديد.
القدس العربي