صفحات سورية

قراءة في الرهان السوري علي انحسار عهد بوش

null


تحديات الخارج تستوجب ضرورة الانفتاح علي الداخل

حضور سوريا مؤتمر (انا بولس ) لم يساهم في تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة

سوريا أعلنت مرارا انها مستعدة للحوار مع واشنطن لكن بعيدا عن لغة الاملاءات

مصادر سورية : الرئيس الأمريكى الجديد جمهوريا أم ديمقراطيا سيكون أقل سوءا حيال دمشق من بوش

دمشق- شادي جابر: يبدو أن دمشق لم تعد تعلق آمالاً تذكر علي أي حوار مع واشنطن في ظل الإدارة الحالية، إنها ببساطة تنتظر مرور الأشهر المتبقية لمغادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش البيت الأبيض مطلع العام المقبل.

وتشير مصادر سورية مطلعة إلي أن الرئيس الأمريكي الجديد جمهورياً كان أم ديمقراطياً سيكون أقل سوءاً حيال سوريا من الرئيس الحالي الذي شهدت العلاقات السورية الأمريكية في عهده تدهوراً كبيراً وغير مسبوق.

لم يكن تشدد البيت الأبيض تجاه سوريا طوال السنوات الماضية سحابة صيف، وإنما سياسة أمريكية أقرها الرئيس بوش بعد أن اقتنع بأن الدور السوري لم يعد مفيداً للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. ولعل ما ظهر منذ ما بعد احتلال العراق من محاولات لعزل سوريا وتصعيد الضغوط عليها يؤشر إلي انعطاف واضح في مسار هذه السياسة التي كانت تميل في فترتي حكم الرئيسين السابقين جورج بوش الأب وبيل كلينتون إلي احتواء سوريا ومنحها دوراً سياسياً يحقق لها بعض المكاسب مقابل تعاونها مع الولايات المتحدة في بعض الملفات المهمة بنظر واشنطن.

هذا الانعطاف بدأ بالظهور مع تمسك دمشق برفض مطالب حملها مسؤولون أمريكيون بُعيد الاحتلال الأمريكي للعراق، لعل أبرزهم وزير الخارجية السابق كولن باول ومساعد وزير الدفاع ريتشارد أرميتاج، ولاحقاً وسطاء أوروبيون وأعضاء في الكونغرس الأمريكي.

وعادة ما كان هؤلاء المسؤولون يحلمون لائحة مطالب إلي دمشق ويشترطون عليها تنفيذها مقابل وعود بالانفتاح عليها دون تحديد ماهية هذا الانفتاح ودون التطرق لمطالب السوريين بضرورة استعادة الجولان المحتل من قبل إسرائيل منذ أكثر من أربعة عقود. هذه المطالب غالباً ما كانت تأتي علي شكل إملاءات كما وصفها مسؤولون سوريون كبار في أكثر من مناسبة معربين عن استعدادهم للحوار مع واشنطن لكن بعيداً عن لغة الإملاءات والأوامر..

الآن وبعد مضي سنوات من سياسة الضغوط والتهديدات والعقوبات والتصعيد الأمريكي ضد سوريا، يمكن القول إن هذه السياسة قد باءت بالفشل، أو علي الأقل لم تحقق النتائج المتوخاة من ورائها.. ولعل فشل العدوان الإسرائيلي علي لبنان وصمود حزب الله إلي جانب التخبط الأمريكي في العراق كان من أهم أسباب نجاح سوريا في الخروج من دائرة الضغوط والعزلة التي أرادت واشنطن إبقاءها داخلها معاقبة لها علي مواقفها من احتلال العراق وقضايا إقليمية أخري ترتبط بالدعم السوري لحزب الله وحماس وغيرها من المنظمات المناهضة لإسرائيل والسياسة الأمريكية في المنطقة.

لقد عملت إدارة بوش خلال السنوات الماضية علي إغلاق جميع الأبواب علي سوريا ولم تترك لها خياراً لتقوم بأي دور سياسي، وهذا ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلي الإعلان صراحة في أحد الخطابات أن أمام بلاده خيارين لا ثالث لهما إما المقاومة أو الفوضي، وربما كان يقصد أن الخيار الوحيد المتاح لسوريا هو أن تقاوم الضغوط وتسعي للخروج من دائرتها.. وإلا فإن البلاد ستغرق تدريجياً بالفوضي علي غرار ما جري في العراق.. وهذا ما يفسر حديث الأسد عن أن الأمن والاستقرار بات يتقدم علي الأولويات الأخري.

كان الأمريكيون يريدون من سوريا أن تقدم التنازل تلو الآخر، وقد استغلوا كما بات معروفاً جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لإيصال سوريا إلي سيناريو أو مصير يبدو مشابهاً لما جري في العراق الذي بلغت الضغوط عليه حد تفتيش قصور الرئيس العراقي الراحل بحثاً عما يسمي أسلحة الدمار الشامل العراقية.

من الواضح أن فترة التهدئة التي سبقت حضور سوريا مؤتمر أنابوليس للسلام لم تسهم في تغليب خيار الحوار والتفاهم علي القطيعة والعزلة المعتمدة أمريكياً، ولم يساعد القرار السوري بحضور هذا المؤتمر في التخفيف من حدة التوتر بين الجانبين، ذلك أن نقاط الخلاف الكثيرة كانت كفيلة علي الدوام بعرقلة أي محاولة أو وساطة لتحقيق أي انفراج في العلاقات السورية الأمريكية وإعادة القطار إلي السكة التي سار عليها طويلاً.

ولعل تصريحات الرئيس بوش في شهر ديسمبر الماضي التي أعلن فيها أن صبره علي نظيره السوري قد نفد منذ وقت طويل تؤشر إلي صعوبة ذوبان الجدار الجليدي القائم بين الجانبين.

قبل أيام أبدي المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية باراك أوباما استعداده لعقد محادثات مباشرة مع سوريا ودول أخري في حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.. ورأي أن من شأن ذلك إعادة الاستقرار والسلام إلي الشرق الأوسط.. لكن سواء وصل أوباما أو غيره إلي سدة البيت الأبيض فإن من المبكر التنبؤ بالسياسات التي سينتهجها الرئيس الأمريكي الجديد حيال سوريا والعالم العربي، لكن المؤكد أن هذا الرئيس لن يخرج عن العرف أو التقليد الأمريكي المتبع منذ عقود، وسيكون محابياً لإسرائيل بشكل أو بآخر، ورافضاً لأي ضغوط عليها من أجل إقناعها بالاستجابة لمتطلبات السلام في الشرق الأوسط.

لا شك بأن أي رهان لسوريا علي التغيير في التعاطي السياسي الأمريكي حيالها علي المستوي الاستراتيجي لن يكون رهاناً صحيحاً، وعليها ألا تتوقع الكثير مما يمكن أن ينتج عن انحسار العهد البوشي والإرث الثقيل من الأزمات التي خلفها نتيجة الحروب الاستباقية، وذلك لعدة أسباب أهمها أن استراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية لا تتغير كثيراً بتغير شخص الرئيس، وعلي الرغم من الانتكاسات التي تمني بها بسبب سياساتها فإنها تبقي القوة العظمي الأولي والوحيدة في العالم، والقادرة علي تصحيح أخطائها بما لديها من مقومات داخلية ومؤسسات ديمقراطية تشكل العمود الفقري لقوتها وازدهارها، دون أن يؤدي ذلك إلي مضاعفات أو انعكاسات سلبية عليها، وخير دليل علي ذلك أن الولايات المتحدة خسرت الحرب في فيتنام لكنها انتصرت في الحرب الباردة.

يضاف إلي ذلك أن التجارب تؤكد عدم صوابية التفاؤل بما يجري من تغييرات في واشنطن.. لا سيما أن هناك من كان يراهن علي بوش مع بدء الولاية الرئاسية الأولي قبل سبع سنوات ونيف، حتي أن العرب والمسلمين الأمريكيين منحوه أصواتهم حينذاك.. فكانت النتيجة إشعال الشرق الأوسط عبر تدمير العراق وتقويض الاستقرار في لبنان وإطلاق يد إسرائيل لشن حروبها علي الفلسطينيين واللبنانيين.. فضلاً عن أن سياسات القوة العظمي في عهد بوش كانت سبباً رئيسياً في تزايد بؤر التوتر والنزاعات والتطرف ليس في المنطقة العربية فحسب بل في العالم أجمع.

لا شك بأن أي رئيس أمريكي جديد سيكون أقل سوءاً من الرئيس الحالي جورج دبليو بوش، لكن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة ستتبني نهجاً منفتحاً يقوم علي الحوار مع سوريا أو غيرها وسياسة أمريكية متوازنة وعادلة تعم ثمارها الشرق الأوسط والعالم وتؤدي إلي تعزيز الاستقرار الهشّ وانحسار بؤر التوتر والصراعات والحروب.

أما القول بأن سوريا هي اليوم أقوي من أي وقت مضي فلا يمكن أن يكون تعبيراً دقيقاً عن واقع الحال في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها سوريا، والتي تستوجب وضعاً داخلياً متماسكاً ومناخاً من الثقة بين الحكومة والشعب للتعاون علي حل المشكلات والأزمات الداخلية المتفاقمة والتي لا بد من معالجتها بقدر عالٍ من المسؤولية والجدية، وبوسائل وأساليب سليمة وفاعلة تبدأ بالانفتاح علي الداخل وإشراك المجتمع بعملية الإصلاح لأن الدولة لا تقوم علي سلطة قوية ومجتمع ضعيف مُهمّش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى