اشتباك سوري أميركي
ساطع نور الدين
سحب السفيرين السوري والعراقي من بغداد ودمشق هو مؤشر إضافي على أن سوريا دخلت مرة أخرى في مسار مضطرب، يبدد أجواء الانفتاح والحوار العربي والدولي التي تمتعت بها على مدى الأشهر القليلة الماضية، وساهمت في فك عزلة دامت نحو اربع سنوات، وفي إشاعة تهدئة لبنانية لم يفهمها ولم يقدرها الكثيرون من اللبنانيين.
الاتهام العراقي لسوريا بإيواء متورطين في تفجيرات بغداد الأخيرة، قاس جداً وخطير جداً، بغض النظر عن مدى مصداقيته. ولا يمكن لأحد أن يزعم أن حكومة نوري المالكي وحدها هي التي اتخذت القرار بتوجيهه، لا سيما أن الوفد العسكري والسياسي الأميركي الذي زار دمشق مرتين حتى الآن، ويتوقع أن يزورها الشهر المقبل ايضاً، سبق أن حمل اسماء هؤلاء البعثيين بالتحديد وطالب بتسليمهم الى السلطات العراقية.
الهدف السياسي لهذا الاتهام أكبر بكثير من محتواه وتفاصيله. ثمة اشتباك سوري اميركي يشهد تصعيداً استثنائياً، وثمة قرار أميركي بوضع السوريين والعراقيين على المستويين الرسمي والشعبي في مواجهة بعضهما البعض. وهو ما لا يمكن تصنيفه فقط بأنه ردٌ عابر على الزيارة المثيرة التي قام بها الرئيس بشار الأسد الى طهران مؤخراً والتحذير الذي وجهه الى «بلدان بعيدة وأخرى في المنطقة، ذاكرتها ضعيفة، تنسى الدروس التي تلقتها في الفترة الماضية».
في طهران، كان الأسد يعبر كما يبدو عن خذلان او ربما عن ضيق من إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما التي بادرها في الاشهر الاولى من ولايتها بالكثير من النيات الحسنة، سواء في العراق او فلسطين او حتى في لبنان، لكنه لم يحصل حتى الآن على رفع العقوبات الأميركية الضاغطة على الاقتصاد السوري، ولا حتى على تسهيل صفقة طائرات الإيرباص الأوروبية التي تزداد الحاجة اليها إلحاحاً بالنسبة الى الخطوط الجوية السورية التي قررت مؤخراً اللجوء الى السوق الروسية لشراء حاجتها من الطائرات. بل حصل على وعد بتعيين سفير اميركي في دمشق، لم يعرف اسمه حتى اللحظة، وعلى زيارة المبعوث الأميركي للسلام جورج ميتشل، الذي يبدو ان مهمته اسفرت فقط عن إقفال قناة الاتصال التركية، بطلب من حكومة بنيامين نتنياهو طبعاً.
وثمة دلائل أخرى عديدة على أن هذا الاشتباك السوري الأميركي جدّي جداً، لا سيما في موقفي مصر والسعودية اللتين ارسلتا إشارات سابقة بالانفتاح على دمشق، ثم أحجمتا عن المضي قدماً. ولم يعرف حتى الآن ما اذا كانت الدولتان هما اللتان ساهمتا في إقناع إدارة اوباما بإبطاء الخطى نحو سوريا أم أن العكس هو الذي حصل. المهم أن قرار بغداد يندرج في سياق واضح يضغط على القيادة السورية من كل الجهات، ويدفعها الى ردود لا تقل حدة، تهدف الى اختبار موقعها عند الأميركيين والعرب المعتدلين، وإلى تعديل شروط التفاوض معها.
أسوأ ما في هذا الاشتباك أن يسيء فريقا الغالبية والأقلية في لبنان تفسيره وترجمته.
السفير