هذا التحالف المستحيل
محمد مشموشي
حديث “التعاون”، كما ورد في احدى الترجمات، أو “التحالف”، كما في ترجمة أخرى، بين ايران وسوريا والعراق وتركيا، لا يمكن أن يكون حديثا عابرا بين المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد أثناء زيارة الأخير لطهران قبل أيام.
فالزيارة استثنائية بطبيعتها، ولو أنها كانت سريعة، باعتبارها تمت تحت عنوان التهنئة باعادة انتخاب الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، برغم الاعتراضات السياسية والشعبية عليها، فضلا عن أنها جرت في ظروف عربية واقليمية ودولية معقدة بالنسبة لايران وسوريا معا. وأن يظهر الى العلن، خلالها، كلام سوري – ايراني مشترك على مثل هذا “التعاون” أو “التحالف” مع تركيا والعراق، وهما على ما هما عليه (الأولى عضو في حلف شمالي الأطلسي، والثانية تحت الاحتلال الأميركي، أقله بحسب توصيف دمشق وطهران لها)، ففي الأمر ما يدعو الى التساؤل عن الهدف منه أو ربما جملة الأهداف.
والتساؤل الأكبر: أين موقع ما يسمى “جبهة المقاومة والممانعة” ضد اسرائيل والولايات المتحدة، والتي تتشكل أساسا من ايران وسوريا، في مثل هذا “التعاون” أو “التحالف”؟!
ذلك أنه قد يكون مفهوما أن تسعى ايران، في أزمتها الراهنة داخليا واقليميا ودوليا، لفتح أبوابها أمام أي نوع من “التعاون” أو “التحالف” معها في المنطقة، خاصة على حدودها الغربية مع العراق وتركيا، لكنه ليس مفهوما أن تفعل ذلك سوريا في الوقت الذي تمد لها السعودية (وحتى مصر، برغم كل شيء) يدها للعودة معزّزة مكرّمة الى الحظيرة العربية. يفاقم من عدم الفهم هذا، أن مثل هذا “التحالف” – على فرض قيامه – لن يكون في النهاية الا حسما من أي مشروع عربي موحد، أو حتى محدود التنسيق، يمكن الوصول اليه في يوم ما… اذا لم يكن “التحالف” المفترض هذا موجها ضده أصلا.
بالقدر ذاته، قد يكون مفهوما أن تسعى سوريا لتقوية علاقاتها المستجدة مع تركيا على خلفية الوساطة التي تقوم بها الأخيرة بين دمشق وتل أبيب، وربما لاحقا بين دمشق وواشنطن، لكنه ليس مفهوما أن تفعل طهران ذلك الا على خلفية محددة ومن أجل هدف واحد : زيادة اضعاف الجبهة العربية الضعيفة أصلا، أو السعي لمنع ما يمكن
أن يشكل جبهة ذات وزن وتأثير في المستقبل.
واذا، فما هي الأهداف الحقيقية للحديث الايراني – السوري عن “التعاون”، أو ربما “التحالف”، بين الدول الأربع المشار اليها؟!
غالب الظن أن في مقدم الأهداف محاولة دمشق وطهران، وكل لأسبابها الخاصة، صيانة ما بينهما من مصالح مشتركة – سياسية واستراتيجية واقتصادية – جرى تعزيزها طوال الأعوام الثلاثين الماضية. ولساذج في السياسة، وفي سياسة هذين النظامين بالذات، أن يتوهم امكان خروج احدهما بسهولة من “التحالف الاستراتيجي” القائم بينهما منذ عقود، أو حتى مجرد ابتعاد أحدهما عن الآخر في المستقبل القريب. وفي الوضع الاقليمي والدولي الراهن، يبدو كلا النظامين في حاجة موضوعية وماسة للثاني، ان لم يكن لمحاولة حصاد ما يعتبرانه “نجاحات” ثلاثين عاما من المراكمة – اذا كانت هناك من “نجاحات” ثابتة ودائمة -، فأقله للعمل على تقليل الخسائر اللاحقة اذا كان لا بد لهما من أن يقدما “كشف حساب” تفصيليا عن سياساتهما على مساحة المنطقة، وحتى في العالم، خلال الفترة الماضية.
وفي هذا الصدد، لم تكن غريبة في السابق، ولا هي غريبة الآن، لعبة النظامين السوري والايراني في “تجميع الأوراق” من هنا وهناك (العراق وأفغانستان في حالة ايران، وفلسطين ولبنان والعراق في حالة سوريا)، سواء لمحاولة الاستقواء بها في التفاوض عندما يحين موعد التفاوض مع الآخرين أو للمساومة عليها عندما يجدان ضرورة للمساومة.
أكثر من ذلك، فبعد ثمانية شهور من التغيير الكبير في واشنطن، وما تلاه من فتح أبواب الحوار مع دمشق وطهران، بات النظامان في العاصمتين يدركان جيدا أن ما ينتظرهما ليس الا “مرحلة اختبار” يقفان فيها أمام امتحان جدي… ليس للنيات فقط، وانما للأفعال والممارسات في المقام الأول. يسري ذلك على الملف النووي بالنسبة لايران وموقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منه، كما يسري على العلاقات الجديدة – بما فيها الديبلوماسية – بين واشنطن ودمشق، فضلا عن امكان استئناف المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة بين اسرائيل وسوريا.
لكن، هل يمكن تصور قيام “تحالف” حقيقي بين سوريا وايران من ناحية والعراق وتركيا من ناحية ثانية؟!
يصعب ذلك، وربما يستحيل تصوره، في المرحلة الحالية على الأقل لأسباب عديدة ومتشعبة كما يأتي:
أولا- ان لتركيا، كما يبدو واضحا ومنذ زمن، أجندة مختلفة الى حد بعيد عن الأجندة الايرانية في المنطقة، خاصة تجاه دولها وشعوبها وقضاياها العربية. قوام هذه المقاربة، كما عبر عنها المسؤولون الأتراك أكثر من مرة، ينطلق من نقطة محددة هي العمل على ازالة أية رواسب قد تكون باقية من مرحلة حكم السلطة العثمانية لبلدان المنطقة، وما تلاها من حساسية شعبية، وحتى عصبوية، ان في تركيا أو لدى العرب. وذلك لدواع تركية وعربية واسلامية في وقت واحد. واذا لم يكن لتركيا مشروع كامل، وخاص بها، ازاء وضع المنطقة الحالي ومستقبلها القريب أو المتوسط، فلا شك في أن لديها جملة مصالح سياسية، واقتصادية بشكل خاص، تتجاوز كلا من ايران وسوريا، فضلا عن أي “تعاون” أو حتى “تحالف” معهما، الى كامل مساحة العالمين العربي والاسلامي في الخليج وشمال افريقيا وشرقها وحتى في غرب آسيا.
وعلاقة تتجاوز الجيرة الحسنة والتنسيق الثنائي مع سوريا وايران، أو مع أي منهما على انفراد، ليست الآن ولن تكون في المستقبل القريب في مصلحة تركيا السياسية والاقتصادية الآنية، ولا حتى في منظورها الاستراتيجي.
ثانيا- ان للعراق مصلحة ايرانية وسورية خاصة، لكنها “مصلحة” أمنية قبل كل شيء، وبما لا يتعارض أساسا مع علاقاته العربية وحتى الدولية الأخرى، الأمر الذي يجعل من طرح “التحالف” بينه وبين سوريا وايران أشبه بابتزاز سياسي مفضوح على خلفية عوامل أمنية تطول حياة الشعب العراقي وليس النظام، أي نظام حكم فيه، أيا تكن توجهاته السياسية محليا واقليميا ودوليا.
واذا كان صحيحا أن للعراق مثل هذه “المصلحة” مع كل من طهران ودمشق، وأنه في حاجة اليهما في سياق سعيه لاستعادة وحدته الجغرافية والسياسية وأمنه الاجتماعي، الا أن الصحيح كذلك أن “التحالف” الذي تدعوه اليه العاصمتان لا يصب في خانة مصالحه العربية، ولا حتى الاقليمية والدولية.
ثالثا- الجامع المشترك، وربما الوحيد، بين الدول الأربع لا يتجاوز في واقع الأمر موقفها شبه الموحد من المسألة الكردية، وحاليا من اقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي كامل شمال العراق، لأسباب تاريخية لدى هذه الدول من جهة ولتواجد أقليات كردية وازنة فيها جميعها من جهة أخرى. بيد أن موقفا واحدا من مسألة واحدة مثل المسألة الكردية شيء، وقيام “تحالف” سياسي اقليمي بين دول تشترك في مثل هذا الموقف شيء آخر.
•••
لهذه الأسباب، ولغيرها مما سبق ذكره ويتعلق بالهدف الأيراني – السوري الحقيقي من هذا الطرح وتشابك علاقات دوله على الصعد العربية والاقليمية والدولية، يبدو “التحالف” الرباعي المحكي عنه أقرب الى أن يكون تحالفا مستحيلا.
(صحافي)
النهار