سورية وتركيا وبينهما الأكراد.. مقاربات ومفارقات؟
هوشنك أوسي
في كتاب “الأرشيف السرِّي لبُلَند أجويد” (رئيس وزراء سابق)، والذي جمعه، وقدَّم له الكاتب والصحفي التركي، جان دوندار، (صاحب فيلم “مصطفى” الذي أثار جدلاً في تركيا قبل فترة) يذكر دوندار، أن أجاويد، وأثناء وجوده في حكومة انقلاب 1960، كان وزير العمل والشؤون الاجتماعيَّة. وقتها، كان يتلقَّى تقارير وتوجيهات رسميَّة من الانقلابيين، (المؤسسة العسكريَّة)، هي بمثابة برنامج متكامل، يقضي إلى تجريف مناطق جنوب شرق تركيا، من سكَّانها الأكراد، عبر تشديد القبضة العسكريَّة، وحالات القمع والمنع، لإجبار المواطنين “الذين يظنون أنفسهم أكراداً” بحسب ما جاء في تلك التقارير، على الهجرة من تلك المناطق. وتغيير أسماء محافظات ومدن ونواحي وقرى تلك المناطق من الكرديَّة إلى التركيَّة. وفرض حالة من التجهيل والتجويع على تلك المناطق، وحرمانها من التنمية والمظاهر الحضريَّة المدنيَّة، وصولاً إلى إجراء تغيير ديموغرافي فيها، وتتريكها، على الصُّعد كافة. هذا المخطط، كان سنة 1960، وصار دستور عمل كافة الحكومات التركيَّة المتعاقبة بحقّ الأكراد، إلى أن أتت حكومة حزب العدالة والتنمية، بزعامة أردوغان، وحدث نوع من التراجع إلى الوراء، حيال عدم الالتزام المطلق بأوامر العسكر، والتقدّم إلى الأمام، فيما يتعلّق بالانفتاح على الأكراد والتحوّل الديموقراطي مؤخّراً، ويتسارع وتيره هذه الأيَّام.
وفي الطرف الجنوبي من الحدود، في سورية، قدّم محمد طلب هلال، ضابط المخابرات السياسيَّة، العامل في المناطق الكرديَّة شمال شرق سورية، قدَّم مطلع الستينات، دراسة سياسيَّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة، يطالب حكومته فيها بتطبيق ما يعادل الإجراءات التي طبَّقها الأتراك بحقَّ الأكراد وقتئذ. وبل يتجاوز هلال، عنصريَّة الأتراك آنئذ، إذ طالب الحكومة السوريَّة بطرد وترحيل الأكراد، حرفيَّاً، لكون الأكراد “خونة” و”عملاء”، وخطر على الأمَّة العربيَّة. بالنتيجة، ما قدَّمه طلب هلال للحكومة السورية من توصيات، صار دستور الحكومات السوريَّة في تعاطيها مع أكراد سورية منذ 1960، ولغاية يومنا هذا. ففي سنة 1961، تمّ إحراق سينما عامودا، راح ضحيَّة ذلك أكثر من 250 طفل كردي. (يُقال أن هذا الحريق، كان مدبَّر، خاصَّة، حين لمس الأهلي تقاعس السلطات المحليَّة في إطفائه، بالإضافة إلى حشر عدد كبير من الأطفال لمشاهدة فيلم سينمائي. بالإضافة إلى إخراج أطفال المسؤولين من بينهم، قبل اندلاع الحريق). وفي 5/10/ 1962، تمَّ تجريد 150 ألف كردي من الجنسيَّة السورية، ولا زالت هذه المشكلة عالقة، وتتفاقم باضطراد (وكاتب هذه السطور من ضحاياها). وفي عام 1974، تمَّ إطلاق مشروع الحزام العربي، في المناطق الكرديَّة، شمال شرق سورية، والقاضي، بترحيل العرب من محافظات الرقّة، ودير الزور، وأدلب، إلى تلك المناطق، وتشكيل قرى نموذجيّة لهم فيها، وتوزيع الأراضي المأخوذة من الأكراد، عليهم. ناهيكم عن تغيير أسماء المدن والقرى من الكرديَّة، وما يشتبه في انها كرديَّة، إلى العربيَّة. فضلاً عن تضيق الخناق على ممارسة اللغة الكرديَّة، وملاحقة النشطاء السياسيين. وفي آذار/مارس 1993، تمّ إحراق سجن الحسكة، وراح ضحيته ما يزيد عن 52 كردي، قسم كبير منهم، كانوا معتقلين على خلفيَّات سياسيَّة. وقيل وقتها أن محافظ الحسكة وقتئذ، ورئيس الوزراء السوري السابق، محمد مصطفى ميرو، وقائد شرطة المحافظة، متورِّطان في الحادث. وفي 12/3/2004، وأثناء حشد جماهيري سلمي، أمام ملعب القامشلي، أطلق محافظ الحسكة آنئذ، سليم كبول، النار، من مسدّسه الشخصي على المحتشدين الكُرد، وتبعه في فعل ذلك، كافة قوى الأمن الموجودة هناك، ما أدّى إلى فقدان أربعة مواطنين أكراد لحياتهم. وحينئذ، انفجرت المناطق الكرديَّة، في انتفاضة شعبيَّة عفويَّة، غير منظَّمة ومنضبطة، شملت كافة المدن والنواحي الكرديَّة على الشريط الحدودي السوري _ التركي، حتى وصلت اهتزازاتها إلى مدينة حلب، والعاصمة دمشق. تك الانتفاضة، التي استمرَّت لأكثر من 3 ثلاثة أيَّام، كانت الردّ الطبيعي على حالة الاحتقان السياسي والاقتصادي التي يعانيها أكراد سورية منذ عقود. تلك الانتفاضة، التي راح ضحيتها، أكثر من 30 كردي، بين طفل ورجل وإمراة، وجرح المئات برصاص قوى الأمن والاستخبارات السوريَّة، واعتقال الآلاف، أجبرت النظام السوري على الاعتراف الشفوي بالوجود الكردي، كـ”جزء أساسي من النسيج الاجتماعي والتاريخي السوري”، على لسان الرئيس السوري بشَّار الأسد، في حديث لقناة “الجزيرة” القطريَّة. تلك الانتفاضة، صارت نقطة مفصليَّة، وعلامة فارقة في تاريخ أكراد سورية، فتحت صفحة جديدة في الحراك السياسي الكردي السوري. ورغم أن الأحزاب الكرديّة في سورية، لم يكن لها أيّ دور أو يد في تلك الانتفاضة، وكانت الأخيرة عفويّة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ورغم أن الأحزاب الكرديّة، حاولت تبييض صفحتها أمام النظام السوري، بتبرِّئها من الانتفاضة، إلاَّ أن الأخيرة، فعلت وحققت، ما عجزت عن تحقيقه الأحزاب الكرديّة السوريّة، طيلة نصف قرن. أقلّه، كسرت حاجز الخوف، وخففت من ثقافة الرعب بين الأكراد.
بعد استلام الرئيس السوري، بشّار الأسد، مقاليد الحكم، اتَّجه للمناطق الكرديَّة، ووعد الأكراد المجرَّدين من الجنسيَّة، بقرب انتهاء معاناتهم. وعقب انتفاضة 12 آذار الكرديَّة سنة 2004، جدد الرئيس السوري وعوده باقتراب إعادة الجنسيَّة للأكراد المجردين منها. والحقُّ أن الأكراد، وقتئذ استبشروا وتفاءلوا خيراً. لكن، سرعان ما ثبت أن تلك الوعود، بقية وعود، ذرتها رياح تشديد القبضة الأمنيَّة على أكراد سورية، وكأنَّ النظام، ينتقم من انتفاضة 12 آذار؟!. فالمناطق الكرديَّة في سورية، التي تدرُّ النفط والغاز، والقمح والقطن، على الاقتصاد السوري، لا زالت، هي أفقر المناطق، ومحرومة من مشاريع التنمية والتطوير والتحديث، التي لا يملُّ المسؤولون السوريون الحديث عنها!. وزاد النظام السوري من إصدار المراسيم والقرارات بحقّ المناطق الكرديّة، لتضييق الخناق على الأكراد، وإجبارهم على الهجرة، إنْ للمدن الداخليَّة او لخارج سورية. ومن باب الذكر لا الحصر، المرسوم 49، القاضي بنسف التعاملات في تجارة العقارات في المناطق الحدوديَّة، وحصر تطبيق هذا المرسوم، بشكل صارم، في المناطق الكرديَّة. وبدلاً، من تنفيذ السلطات السوريَّة وعودها منذ 9 أعوام، بإعادة الجنسيَّة للأكراد المجرَّدين منها، أصدرت هذه السلطات، تعميمات بعدم تشغيل غير الحاصلين على الجنسيَّة السورية، حتى في القطاع الخاصّ، تحت طائلة المحاسبة والغرامة والسجن. وطبعاً، من هم؛ غير الحاصلين على الجنسيَّة السورية؟، بديهي أنهم الأكراد. والأنكى، حين يتمّ تذكير المسؤولين السوريين بوعود إعادة الجنسيَّة للأكراد، يتململ ويتذمّر المسؤول السوري، ولا يخجل من تحميل الأكراد مسؤوليّة بقاء هذا الملفّ عالقاَ. وبل يقول: (أن الملفّ، كان على طاولة الرئيس، وقيد الحلّ، إلاَّ أنكم قمتم بأحداث آذار، فعاد ملفّ المعالجة، ليرقد في أدراج مكتبه). وطبعاً، لا يوجد، لا ملفّ، ولا معالجة، ولا هم يحزنون. بدليل مضي 5 سنوات على أحداث انتفاضة آذار، ولم تحرّك السلطات السورية ساكناً في هذا الصدد. وبدليل المزيد من الملاحقات والقمع والحظر والمظالم التي تطال أكراد سورية.
حين يطالب أكراد سورية حكومتهم، بتوثيق وتضمين وجودهم وهوّيَّتهم وحقوقهم السياسيَّة والثقافيَّة في الدستور السوري، وإيجاد منفرج سياسي عادل لقضيَّتهم في سورية، يستشيط المسؤولون السوريون غيظاً وغضباً، من رتبة عريف في الأمن السوري، وحتَّى رئيس الحكومة، ولا يتوانون عن تحمير الأعين، وفرك القبضات، “مفنّدين” بالصوت العالي، كلّ المظالم التي يعانيها الأكراد في سورية، دون أن يسهوا عن إشهار العصا لمن عصا، أثناء تعداداهم لـ”النِّعَم والعيش الرغيد والبحبوحة والأبَّهة” التي يعيشها أكراد سورية في كنف نظامهم الأمني “المستبدّ العادل”!. بل يشتطُّ المسؤولون السوريون، بتبجُّحهم قائلين: أن وضع الأكراد في سورية، أفضل كثير في دول الجوار!. والحقُّ أن هذا الكلام صائب، لجهة أن الأكراد، لم يتعرَّضوا للمجازر الوحشيَّة في سورية، كالتي تعرَّضوا لها في تركيا والعراق وإيران. هذا هو وجه “المفاضلة”!.
أمَّا في تركيا، التي لم تكن تعترف بالوجود الكردي على أراضيها وتعتبرهم “أتراك الجبال”، ورغم الحرب الضروس التي دارت بين الأكراد وتركيا، كلَّفت الأخيرة ما يزيد عن 3 مليار دولار سنويَّاً، وما يزيد عن 250 مليار دولار ديون خارجيَّة، وما يزيد عن 70 الف قتبل…الخ، اضطرَّت تركيا للاعتراف بالوجود الكردي على أراضيها منذ 1990، على عهد الرئيس التركي تورغوت أوزال. أي قبل أن يعترف النظام السوري بوجود الاكراد في سورية بـ14 سنة. الآن، الأكراد في تركيا، موجودون في البرلمان التركي، بحزبهم الكردي، أمَّا في سورية، فموجودون في السجنون والمعتقلات. هنالك قناة في التلفزة الرسميَّة التركيَّة، ناطقة بالكرديَّة، أمّا في سورية، محظور بثّ أغنية كرديَّة، حتّى في إذاعات الـ”FM” الخاصَّة، فما بالكم الإعلام الرسمي!. في تركيا، هنالك صحافة كرديّة يوميَّة (تتعرّض للحظر والمنع من الصدور، إلاّ أنها موجودة)، ومعهد كردي في اسطنبول، أمَّا في سورية، هذه مطالب ممنوعة من الصرف والهضم السياسي الرسمي. في تركيا، يخرج عشرات الألوف من الأكراد في مظاهرات، حاملين الرايات والأعلام الكرديَّة، وصور أوجلان. وفي سورية، ممنوع تجمُّع أكثر من ثلاثة أكراد، في مكان عام، كائناً من كانوا!. في تركيا، كان يسيطر الأكراد، وحزبهم الكردي، على 56 بلديَّة في مناطقهم، جنوب شرق تركيا، وزادوها إلى 98 بلديَّة، في الانتخابات المحليّة التي جرت في تركيا يوم 29/3/2009. أمّا في سورية، أين هي الانتخابات، حتى يشارك فيها الأكراد والعرب!؟. ما يجري، ويُقال عنها “انتخابات برلمانيَّة وبلديَّة ورئاسة، هي فبركات، وهزليَّات سمجة، تعافها الصومال والموزمبيق!. تركيا، شحنة ممانعتها للحقوق الكرديَّة، و”حتّى ولو كانت في الأرجنتين”، كما كان يقول الساسة الأتراك سابقاً، باتت تتراجع، وصولاً لحدِّ الاعتراف بإقليم كردستان العراق الفيدرالي. بالإضافة إلى إطلاق الحكومة التركيَّة مشروعها لحلّ القضيَّة الكرديَّة، والذي يتفاعل يوم إثر آخر في تركيا. أمّا في سورية، فممانعتها للفيدراليَّة في ازياد، وبل ساهمت في تألب الاتراك على الإقليم الكردي العراقي، وشرعنة الحلول العسكريَّة التركيَّة للملفّ الكردي. وليس ضرباً من الخيال القول: إن محور دمشق _ طهران منزعج ومتضايق وبل خائف من المساعي السلميَّة لحلّ القضيَّة الكرديَّة في تركيا. في تركيا، اعترف رئيس الحكومة، رجب طيّب أردوغان، بوجود قضيّة كرديَّة، واعترف بأخطاء الدولة تجاه الأكراد، ووعد بحلّ القضيّة الكرديّة بالسبل السلميّة. كما اعترف الكثير من الجنرالات الأتراك المتقاعدين، بأخطاء الدولة تجاه الأكراد. وفي إحدى خطاباته الأخيرة، وأمام كتلة حزبه النيابيَّة قال أردوغان: “أيَّاً تكن الأكلاف والأثمان، فلن نحيد عن طريق حلّ القضيَّة الكرديَّة. لو منذ ثلاثين سنة، تمَّ حلَّ هذه القضيَّة، ولم تتضخَّم لهذا الحدّ، ماذا كان حال تركيا الآن؟. لو أنَّ تركيا، أرجأت مكافحتها للعصابات، (قاصداً أرغاناكون)، وحالت دون ارتكاب جرائم الاغتيال التي قيّدت ضدّ قاعل مجهول، ماذا كان حال تركيا الآن؟. ينبغي على الجميع طرح هذه الأسئلة على أنفسهم، وإيجاد إجابات لها. مُحالٌ أن يستطيع أحد قطع روح الأخوَّة بين الأكراد والأتراك. لا فرق لدينا بين آلام وأحزان أمٍّ في هكّاري وأمٍّ في يوزغات (قاصداً أمَّهات المقاتلين الكرد والجنود الأتراك). بغية إيجاد الحلّ، سنتحاور مع القوى الشرعيَّة القانونيَّة. نيَّتُنا للحلّ صميميَّة، إذ لم نعد نحتمل موت شبابنا، ولم نعد نحتمل آلام قلوب الأمَّهات. آلام الأمَّهات لا تعترف بالسياسة والأيديولوجيَّات.. أيَّاً كان الثمن، ومع الموجودين هنا، وغير الموجودين، سننتصر. ألم نخض معاً حرب التحرير، وبنينا الجمهوريَّة سويَّاً، وحافظنا على القيم المشتركة. أيَّاً كانت تعقيدات ومحاذير هذه المشكلة، نحن نودُّ حلَّها. أنَّه مشروع نهضة تركيا”، مشيداً بملحمة “مم وزين” للشاعر الكردي المتصوّف أحمد خاني، ومادحاً أغنيّة “حلبجه” للفنان الكرديّ المعروف Shevan Pawar، ومنوِّهاً لدور القائد الإسلامي، الكردي الأصل، صلاح الدين الأيوبي في مقارعة الصليبيين، وتحريره للقدس، ومشيراً إلى تحالف الأكراد والأتراك في معركة تشالدران ضدّ الصفويين سنة 1514 م. وعليه، ذكَّر أردوغان بالشراكة الكرديَّة _ التركيَّة في صناعة تاريخ وحاضر تركيا.
أمّا في سورية، فلا قضيّة كرديّة، ولا حقوق كرديّة، ولا أخطاء ارتكبتها سورية تجاه أكرادها، ومن يقول خلاف ذلك، فهو “خائن، عميل، ومتواطئ على هيّبة الدولة، وكرامة الأمّة وأمنها القومي، ورسالتها الخالدة…”. في تركيا، يحاكم الناشط الكردي، بشكل قانوني، وبتهم سياسيّة واضحة. أمّا في سورية، فالكرديّ، متَّهم، حتى تثبت براءته. والتهمة الجاهزة دوماً، والتي بموجبها تصدر المحاكم العسكريّة، ومحكمة أمن الدولة قراراتها بحقّ النشطاء الاكراد، هي: “الانتماء إلى جمعيّة سرّيَّة، تهدف الى اقتطاع جزء من أراضي الدولة، وإلحاقها بدولة أجنبيّة”، دون تحديد، أيّ جزء من الوطن، هو المقصود، وأيّة دولة أجنبيّة، هي المقصودة؟!. وغالب الظنّ، أن الدولة الأجنبيّة، مقصود بها “كردستان الكبرى” الافتراضيّة. وعليه، تصدر “العادلة” السوريّة، أحكامها بحقّ النشطاء الأكراد، بموجب، شيء افتراضي، لا وجود له على الخريطة!؟. في تركيا، تجلس الحكومة مع الممثلين السياسيين والقانونيين للشعب الكردي (حزب المجتمع الديموقراطي)، وتتابحث معهم في آليَّات وسبل حلّ القضيّة الكرديَّة. وفي سورية، ترفض سورية الجلوس مع أي حزب كردي، لا من الصقور ولا من الحمائم، ولا تعترف بالكتلة السياسيّة الكرديَّة، المنقسمة على نفسها، والتي تعاني عطالات مزمنة، بفعل الشرذمة، ما يمنح النظام الاستبدادي في دمشق، الحجَّة والقرينة، على رفض التحاور مع الجانب الكردي.
حاصل القول: سورية الحاليَّة، في تعاطيها مع أكرادها، هي كتركيا في تعاطيها مع اكرادها سنة 1980. وهذا ليس مديحاً لتركيا، بقدر ما هو إشارة إلى انزلاق الوضع الكردي في سورية من سيّئ لأسوأ، بمعيّة النظام السوري، ما يُنذر بانفجارات، لا يحمد عقباها.
فما أنجزه وسينجزه الأكراد في تركيا، هو بفضل نضال، لمّا يزل مستمراً، منذ 1984. وما حققه النظام السوري من قمع بحقّ الأكراد، جزء هام منه، يُحال إلى الشرذمة والشقاق والثرثرة السياسيَّة الكرديَّة السوريَّة، طيلة نصف قرن. وما فعلته الحكومات التركيَّة بحقّ الأكراد، عبر “المجازر الحمراء”، حققته الحكومات السوريَّة، منذ سنة 1960، عبر “المجازر البيضاء”. والحبل على الجرار، وما خفيَ كان أعظم لسورية وأكرادها، بفعل وفضل سياسات قيادتها الحكيمة والشجاعة، التي لم ترَ ما جرى في العراق، وتتعامى عمَّا يجري الآن في تركيا من انقلاب إيجابي، وبل تاريخي في الملفّ الكردي!.
ايلاف