العامل الخارجي يضع الأزمة أمام معادلة جديدة
روزانا بومنصف
الإشارات السورية توحي عودة لعبة التعطيل التقليدية
برز العنصر الخارجي في موضوع تأليف الحكومة على نحو صريح وواضح في الايام الاخيرة مع الدأب الذي تظهره الصحافة السورية المعبرة عن النظام او المتحدثة باسمه، باعتبار ان لا صحافة مستقلة هناك، في استهداف الرئيس المكلف سعد الحريري، فضلا عن كلام اصدقاء سوريا او حلفائها في لبنان، بحيث يبدو كل ما يصدر عنهم كأنه صادر عن المسؤولين السوريين انفسهم او يصب في خانتهم.
وما كان خافيا او ملتبسا خلال شهرين من المشاورات كُشف النقاب عنه الى حد حض الرئيس المكلف على الاعتذار، على ما اشارت الصحف السورية، او الاشارة الى الاضطراب الامني نتيجة الفراغ السياسي على نحو غير مريح وفق ما قرأت مصادر سياسية في المواقف السورية الاخيرة. وهذا الامر يقفل عمليا الباب امام اي تقدم في موضوع تأليف الحكومة مهما بلغت جهود الرئيس المكلف او رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي يسعى بدوره الى حل بعيدا من الاضواء. ويفتح هذا الموقف السوري الباب امام معادلة جديدة مختصرها ان لا حل لازمة تأليف الحكومة راهنا، بل هناك مأزق حقيقي كبير تشكل الاتصالات التي تجرى بين وقت وآخر تعمية او اخفاء له.
وتبرز ازمتان في الواقع: الاولى داخلية او ذات وجه داخلي وتتمثل في ما يمكن اعتباره تغييرا في النظام من حيث تحول “حزب الله” الموقع الرئيسي غير المنظور والمؤثر في مراسيم تأليف الحكومة العتيدة. فاذا رضي امكن تأليف الحكومة، واذا لم يرض فلن تكون حكومة لانه يمكنه ببساطة سحب وزرائه. وبما انه يربط موقفه راهنا بموقف حليفه المسيحي الذي قدم شروطا تعجيزية غير مقبولة من المعنيين بموضوع تأليف الحكومة، فقد وسع حق “الفيتو” ليستخدمه هذا الطرف المسيحي ايضا. وغني عن القول ان النظام لا يمكن ان يسير على هذه القاعدة، او ان ثمة رفضا للقبول به حتى اليوم.
اما الازمة الاخرى فتتمثل بالخارج الاقليمي اي سوريا مجددا، وما تريد من لبنان وترغب في استعادته بواسطة حلفائها وتكريسه عبر الضغط الذي يمارس على الرئيس المكلف ويشمل رئيس الجمهورية ايضا وبنسبة ليست سهلة على الاطلاق، وخصوصا ان الرئيس سليمان يعتزم التوجه الى الامم المتحدة في 26 او 27 من الشهر المقبل لالقاء كلمة لبنان امام الجمعية العمومية للامم المتحدة ولقاء رؤساء دول كبرى كالرئيس الاميركي باراك اوباما، في حين يفترض انتخاب لبنان عضوا غير دائم في مجلس الامن بدءا من مطلع السنة المقبلة. وهذا الوضع محرج للرئيس الى حد بعيد في غياب النجاح في تأليف حكومة جديدة على رغم الآمال الكبيرة التي سادت بعد الانتخابات النيابية الاخيرة والنتائج التي آلت اليها بما يفترض انه كان سيضع حدا لكل الالتباسات والمزاعم التي سادت قبل الانتخابات.
والمشكلة، وفق ما تراها هذه المصادر، ان سوريا تريد استعادة لبنان بطريقة ما وتريد من اللبنانيين ان يسلموا لها بذلك كما من السعوديين والاميركيين ايضا.
فبالعودة الى ما طرحته سوريا مع بداية تأليف الحكومة من رغبة في توجه اركان قوى 14 آذار اليها مع القوى الاخرى من حلفائها كي ترعى اتفاقا بينهم على غرار اتفاق الدوحة، واصرارها قبل ذلك على ان يزورها الرئيس المكلف قبل تأليف الحكومة، وهي الشروط التي رُفضت في لبنان.
وتظهر دمشق مجددا قدرتها على العرقلة في ازمة حكومية طويلة كي يتدخل احد لديها في سبيل تسهيل التأليف ولكن وفق قواعد جديدة ستطرحها هي. وجوهر المشكلة او المأزق هو: ماذا تستطيع ان تعطي المملكة السعودية سوريا؟ واين؟ وهل في العلاقات مع الاميركيين او الاوروبيين، او في العراق او فلسطين، علما ان مطلب دمشق هو في لبنان؟ وهل تأخذ المملكة في لبنان لتعطي دمشق؟ وماذا تستطيع ان تأخذ منه؟
والحال هي نفسها بالنسبة الى الاميركيين الذين تطمح سوريا الى ان يتحدثوا اليها حول لبنان كما في ايام الوصاية عليه، علما ان للاميركيين مطالبهم من سوريا ويريدون منها تسهيل التواصل بين الفلسطينيين، ووقف عبور المتسللين الى العراق واحترام استقلال لبنان، في حين تعود دمشق الى اللعبة التقليدية بتعطيل الوضع الداخلي في شكل او في آخر، وخصوصا انه سبق لمحاولاتها هذه ان اثمرت في العامين الاخيرين مع التدخل الاوروبي معها، والعربي كذلك من اجل تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية.
ففي مكان ما تتكرر اللعبة نفسها، مع فارق اساسي وجوهري واهم يتمثل في كون النائب سعد الحريري نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو الرئيس المكلف تأليف الحكومة، علما ان التحدي الاول كان يهدد موقع الرئاسة المسيحي في المنطقة. ويخشى كثيرون ان يقف الخارج مستسلما مجددا امام هذه الازمة بلا قدرة على المساعدة في تقديم الحلول خارج هذه المعادلة وان يكن يمكن ان يشعر بالذنب لاحقا على ما حصل مثلا على اثر الاغتيالات التي طالت شخصيات في قوى الاكثرية من 14 آذار، والتي لم تفت بعض هذا الخارج الاشارة الى انه لم يستطع تقديم الكثير لحماية لبنان من هذه الاغتيالات، او لحماية لبنان ومساعدته في ظروف اخرى لم تكن اقل حدة. علما ان هذا الخارج لا يقوم باي شيء ليدعم صد مثل هذه المحاولات، بحيث ان ما يحصل راهنا انما يحصل لوجود هذه الثغرة بالذات.
ان هذه الصورة تعيد الى الساحة الداخلية صورة باهتة ومموهة من الصراع الاقليمي الدولي الذي كان قائما قبل الانتخابات.
النهار