القيم الأخلاقية ودعم الإستبداد
افتتاحية النداء
تتسارع وتيرة الاتصالات الأمريكية السورية، في حين شهدت دمشق خلال الأشهر القليلة الماضية هجرة متواترة من المبعوثين الغربيين رسميين وغير رسميين، وارتفعت وتيرة المباحثات السرية لتصل مرحلة متقدمة تم خلالها بحث زيارة الرئيس الأمريكي أوباما بعد زيارة تمهيدية تقوم بها وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلنتون لدمشق مطلع تشرين الأول القادم، في إشارة واضحة لماهية الأسلوب الجديد الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية حيال القضايا المتأزمة في الشرق الأوسط وما أكثرها !. وبصرف النظر عما إذا كانت تلك المماحكات والمماطلات المشتركة بين الطرفين تمهد للوصول إلى نهاية سعيدة لكليهما أم لا ، فإن وجهة نظر ثالثة تعبر عن رؤية تضع نصب عينيها حقوق الوطن والشعب لجديرة بالتفهم والإدراك بعيدا عن سياسة الصفقات والمنافع المتبادلة !.
وبالرغم من الإشارة المحددة للديمقراطية وحقوق الإنسان في خطاب الرئيس الأمريكي الموجه للعالم الإسلامي، فإنه بات جليا تراجع مشروع نشر الديمقراطية، بعد التعثر البالغ الذي شهدته التطورات الناجمة عن التغيير الجبري والنقل الفوري من سلطة القهر والإستبداد، إلى انتخابات ديمقراطية أفرزت قيادات وطنية يغلب عليها الطابع الطائفي والعشائري!.
أمام هذا الواقع مال العديد من المفكرين المحليين والعرب إلى إعادة النظر في طروحاتهم المطالبة بالديمقراطية ودعواتهم للتغيير والإصلاح ، وهذا في الواقع عائد بصورة رئيسة إلى أن مطالب التغيير الوطني الديمقراطي والمناداة بتطبيق شرعة حقوق الإنسان وإعادة الحياة للمجتمع المدني لم تكن أصيلة ولا راسخة في المفاهيم الأيديولوجية التي نشأ وترعرع عليها الكثيرون ممن باتوا يفضلون استقرار الإستبداد على حيوية وفاعلية الديمقراطية. لقد كان تبني أفكار التحول الديمقراطي لدى هؤلاء أمرا طارئا مستحدثا ورد فعلٍ جبري على التغيرات العاصفة التي شهدها العالم، في حين أن المناضلين الديمقراطيين السوريين سبقت إرادتهم ورغبتهم في إعادة الحق إلى نصابه، وتحرير رقبة الشعوب من استغلال وطغيان الإستبداد الجاثم فوق أرض الوطن لعقود طويلة مديدة، التبدلات والتحولات الدولية والإقليمية، ولم تكن مواقفهم ردود أفعال بقدر ما كانت مبادرة وطنية للإنقاذ.
إن القيم الخلقية الإنسانية الحضارية التي ما فتيء الفلاسفة والمفكرون والسياسيون الغربيون ينادون به،ا ويدعون بقية دول العالم لممارستها لجديرة بالإهتمام والأخذ بالاعتبار عند البحث عن حلول نهائية لمشاكل الشرق الأوسط . وإنه لمخجل ومعيب أن يفكر الغرب بالعودة إلى سياساته السابقة التي مارسها طيلة ستين عاما والقائمة على دعم الإستبداد والتضحية بالشعوب مقابل استقرار مزعوم، ثبت أنه هش مذموم، قام بنيانه فوق ضحاياه من أبناء الشعب، وعلى أشلاء حقوق الإنسان وجثة الحرية !.
إن الحقوق الطبيعية والقانونية في الأرض والوطن والثروة والحرية والديمقراطية ليست محل مساومة، كما لا ينبغي أن تكون ورقة للتفاوض أو الضغط، بل هي حقوق أصيلة قائمة بذاتها مستقلة عن ملفات التفاوض والمقايضات ،لا تنتهي بتقادم الزمن ولا تصبح طي النسيان عبر صفقات سرية تسجل في حساباتها أجندات تضرب عرض الحائط بالقيم والمثل الأخلاقية والإنسانية، و تضع نصب عينيها في المقام الأول مصالح الأنظمة الحاكمة، وتراعي في ذات الوقت الشروط الإسرائيلية لإحلال السلام.
لا ينبغي بحال من الأحوال أن يكون ثمن السلام والاستقرار سحق إرادة الشعب والتغاضي عما يعانيه الناس من شظف العيش وقهر السلطان. إن السلام والأمن والتنمية مطالب حيوية للشعوب العربية، وضرورة إنسانية، يلزم لتحقيقها اعتماد سياسة وطنية قائمة بالدرجة الأولى على إشراك الناس في القرار و السياسة بعيدا عن مفاهيم الفوقية والإقصاء والنبذ !.
المصدر:موقع النداء