المعارضة السورية: شعبٌ يترقب و تاريخٌ لن يرحم .. (2)
ميرآل بروردا
إن مجمل ما أفرزته الحرب على الإرهاب و التغير الواضح في السياسة العالمية باتخاذها منحى الحفاظ على حقوق الإنسان كمنطلق أساس في سن الشرعة العالمية و فرضها كضرورة لخروج الشعوب الرازخة تحت نير الاستبداد و التنكيل و أزمة الغلاء العالمية التي تعصف بأوسع شرائح الشعوب الشرقية و تأثيرات الكينونة و اجتياح العولمة لكل بيت شرقي عبر تطور وسائل الاتصال و الثورة التقنية المحدثة أثرت على شعوب الشرق خاصة في الدول التي تعادي الديمقراطية ذوات النظم الشمولية و دفعت بالقوى الجنينية للمعارضة إلى الولادة بعضها بشكل سليم – نوعاً ما – حقق مكتسباته المنشودة في المستوى الأدنى كما في الحالة العراقية و الأفغانية..!؟
و البعض الآخر استدعى ولادات قيصرية في ظل التدخلات الإقليمية التي كانت تمنعها كما في الحالة اللبنانية و البعض الآخر ولد ضعيفاً مشوهاً كما في الحالة السورية رغم وجود معارضة سابقة متجذرة في مرحلة ثلاثية من النشوء ذكرناها في الجزء الأول من هذا البحث.
إن الفشل الذريع لنظام البعث في عهد الأسد الابن – بشار – في تعاطيه و تعامله مع المعطيات و المستجدات الآنفة الذكر و سلسلة الأخطاء التي ارتكبها جاعلاً من هيبة الدولة السورية مهزلةً أمام المجتمع الدولي عبر قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري و التدخل السافر في الشأن اللبناني و إصراره على دعم الحركات الإرهابية و منظماته في العراق في محاولة لإبعاد شبح الديمقراطية عن سورية و ضرب استقرار العراق و الحفاظ على تدهور الوضع الفلسطيني بدعم الحركات الإسلامية فيه ، وضع سورية في عزلة دولية و عربية خاصة بمراهنته الخاسرة على الورقة الإيرانية المنبوذة .
كما أن استمراره بالتفرد بالسلطة و استنزاف الخيرات البشرية و الوطنية السورية و السياسات الرعناء بحق مواطنيه عرباً و كورداً و تأليب مكونات الشعب السوري بعضها ضد بعض بإثارة النعرات الطائفية و العنصرية و الإبقاء على حالة الطوارئ و الأحكام العرفية كشرعة و حجة يقتص بها من كل من تدفعه صرخة أبناءه جوعاً و فقراً و مذلة و مهانة لتزجه في ظلمة السجون و أقبية الأجهزة الأمنية السيئة الصيت ..
دفعت بالمعارضة السورية إلى مرحلة جديدة من نضالها فازدادت النقمة و كثرت التوجهات لإيجاد الحل و إنقاذ البلاد في ظروف هيئ لها النظام نفسه دون أن يدري من أين في وقت وضع نفسه في قفص الاتهام أمام المحاكم الدولية و عبر عزلة عربية و دولية و عداء مع القطب الأوحد – أمريكا – لكن و رغم كل ما تهيء للمعارضة السورية لم تستطع النهوض بواجبها المرحلي و فرض نفسها على المجتمع الدولي و الداخل السوري المترقب للتغير فبقيت معارضة اتسمت بأديولوجيات عفى عليها الزمان و اتخذت صفات النزاع الشخصي على دفة الحكم بشكل فردي لا أعتقد أنه سيختلف كثيراُ عما هو قائم الآن فتشابهت الشعارات المعارضة مع الشعارات السلطوية عبر اعتبار الإرهاب في العراق مقاومة مشروعة و حزب الله وصياً على لبنان و التوافق مع النظام حول العديد من القضايا الدولية و الإقليمية خاصة فيما يتعلق بالموقف التركي من إقليم كوردستان العراق و الخشية المتجذرة من قيام دولة كوردية في الشرق الأوسط علماً أن الكورد في سورية بحركتهم – المترهلة نسبياً – جزء أساس من هذه المعارضة …!!؟
إن ما يجمع المعارضة من قضايا أقل بكثير مما يفرقها فهي تتفق على تغيير النظام لكنها تختلف حول الطريق التي ستؤدي إلى هذا التغيير فالبعض يراه دون تدخل الخارج و الآخر يراه ملزماً بالتعاون مع الخارج – خاصة الولايات المتحدة – البعيدة عن جو الحراك المعارض في سورية نظراً لضعف هذه المعارضة و موقفها المتخلخل حول النهوض و إيجاد برامج عملية ديناميكية تسنتد بالأساس إلى الشرعة الدولية و حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بطبيعة النظام المقبل للنشوء كون البعض المعارض يراه سلطة شمولية و البعض الآخر يراه حكماً إسلامياً لن يتوافق مطلقاً مع طبيعة المكون السوري المتعدد الأثينيات و المعتقدات و الأديان و البعض الآخر يراه نظاماً ليبرالياً ديمقراطياً مما يدفع بالموقف إلى مزيد من التعقيد …
إن الحالة العراقية باختلاف مكوناتها و آفاقها أوجبت ولادة النظام الفيدرالي كونه الحل في المستوى الأدنى لاستقرار العراق و البدء في انطلاقة شعوبه و مكوناته إلى الحياة بمختلف حالاتها على الرغم من العراقيل العديدة التي أوجدها طبيعة مجلس النواب و التحالفات و التكتلات إضافة إلى استمرار الميراث الصدامي البائد في محاولة إستعادة أمجاد امبراطورية الظلام بدعم مباشر و غير مباشر من دول الجوار و لعل سياسة الإنسان المقهور تسيطر على مسيرة العقلية العراقية و تعرقل نموها و بالتالي تؤدي إلى لا استقرار هذا البلد ..
كلنا يعلم أن طبيعة المكون السوري تتشابه إن لم تتماثل مع المكون العراقي من حيث الشعوب و الأثينيات و الأديان و الطوائف والأفق المستقبلي لسورية يترتب عليه – برأيي الشخصي- استفادة الشعوب من تجارب الشعوب الأخرى كمخرجٍ من التقهقر و التأخر في تحقيق الغايات و باستمرار المعارضة السورية في اختلافاتها و خلافاتها الجمة و غياب برمجيات سياسية مرحلية و مستقبلية ملائمة للوضع السوري في ظل ترقب الشعب السوري للتغيير مع تزامن بدء النظام السوري القائم في تأسيس علاقات مع أوربا و البدء بالعمل في سبيل تصفية القضايا المتهم بها هذا النظام كعلامة خطر تهدد وجود المعارضة السورية و اغتيال فرصة التغيير التاريخية توجب الاسراع بعملية التكاتف و صياغة برامج تنقذ الوضع و لعل الاتفاق على دستور سوري مستمد من شرعة حقوق الإنسان و المواثيق العالمية المحافظة على كرامته و حقوقه و واجباته و حقها في تقرير مصيرها بنفسها حتى لو اضطر الأمر إلى إعلان قيام كيانات فيدرالية دون وجود المركز الشمولي المستبد و اعتماد صيغ التوافق في التصويت و الانتخاب ستؤمن للجميع حقوقهم مع التركيز على احترام الأقليات و اعتبار الوطن السوري وطناً للجميع يعترف بالجميع و ينقذ الجميع فالفرصة سانحة لكنها بدأت بمرحلة التلاشي و لتعلم المعارضة العزيزة أن التاريخ لن يرحم …..