صفحات العالم

اسمحوا للأفغان بقيادة عملية الإصلاح

جيمي ف . ميتزل وسي . كريستين فير
رغم أن النتائج لا تزال غير مؤكدة، فقد أظهرت الانتخابات الرئاسية الأفغانية أن الشعب الأفغاني يتوق إلى قيادة أكثر خضوعاً للمساءلة. ولكن من الواضح أيضاً وبنفس القدر أن هذا الطموح ما زال بعيداً كل البعد عن التحول إلى حقيقة واقعة، وأن الحكم العليل العاجز للبلاد يرسي أساسات ضعيفة إلى حد خطير لمبدأ المشاركة الدولية.
لن يتسنى النجاح للولايات المتحدة وحلفائها في أفغانستان ما لم تنجح الحكومة الأفغانية ذاتها. فرغم النداءات المستوجبة التي أطلقها كونجرس الولايات المتحدة مطالباً بتحديد معالم التقدم الأمريكي في أفغانستان، إلا أن أقل القليل من الناس يطالبون الحكومة الأفغانية بتوضيح أهدافها في ما يتصل بتحسين الحكم وآليات المساءلة، والكيفية التي تعتزم بها تحقيق هذه الأهداف. وإلى أن يحدث ذلك ويصبح الدعم الدولي مشروطاً بالتقدم الأفغاني على مسار تحقيق الأهداف التي يحددها الأفغان بأنفسهم، فسوف تستمر مؤسسات الدولة في فقدان مصداقيتها. إن إحراز أي نجاح حقيقي في أفغانستان سوف يكون أمراً عسيراً على أي مستوى من مستويات التمويل الدولي أو تواجد القوات الدولية.
إن العديد من أقسام الدولة الأفغانية اليوم تعاني التفسخ من الداخل. والفساد الشامل مستحكم على كافة المستويات. ذلك أن العديد من المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك بعض أفراد عائلة الرئيس حامد قرضاي ذاته، متهمون بالتورط في تجارة المخدرات، والأخشاب، والأحجار الكريمة، وغير ذلك من السلع غير المشروعة. وكان العفو الذي أصدره قرضاي عن تجار مخدرات ربطتهم صلات غير مباشرة بحملة إعادة انتخابه من بين الأسباب التي أثارت أيضاً تساؤلات جوهرية حول التزام الحكومة بحكم القانون.
لا يجوز لنا أن نحمل الأفغان وحدهم المسؤولية عن الأوضاع الحالية. ذلك أن تركيز الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على بناء الهيكل اللائق للحكم بعد التدخل العسكري في عام 2001 كان ضئيلاً للغاية، ولم يُبذَل إلا أقل القليل من الجهد لإقالة الحكام ورجال الشرطة الفاسدين، أو للتصدي لتورط مسؤولين رفيعي المستوى في تجارة المخدرات.
أياً كانت الأسباب فإن الفساد الرسمي يعمل على خلق الظروف التي أصبح معها العديد من الأفغان يخشون جشع الحكومة بقدر ما يكرهون حركة طالبان، التي أصبح بوسع قادتها الآن أن يزعموا القدرة على توفير الأمن والعدالة السريعة في المناطق التي يسيطرون عليها، ولو بثمن باهظ للغاية.
إذا تساوت كل الأمور فإن الأفغان سوف يفضلون الأمن في ظل أي نظام غير نظام طالبان. إن الديمقراطية وحكم القانون قد يشكلان بديلاً فعّالاً لما تقدمه حركة طالبان، ولكن الحكومة لا تستطيع أن تزعم بأي قدر من المصداقية أنها قادرة على تقديم أي منهما، ناهيك عن الخدمات الأساسية. ولأن المجتمع الدولي ما زال يسدد فواتير الحكومة فإن العديد من الأفغان يفترضون أن الجهات المانحة تدعم الفساد المستشري.
ونظراً للتحفظ الشعبي المتزايد بشأن أفغانستان في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، واعتماد الدولة بصورة مبالغ فيها على الهبات الدولية، فقد يكون من المغري بالنسبة للبعض سلوك المسار المعتاد الذي يتلخص في تحديد الأهداف الدولية ثم الانخراط مع القادة الأفغان في استكشاف أفضل السبل لتحقيق هذه الأهداف. إن مثل هذه العملية لن تنجح قط. ولن يتسنى لأحد معالجة الفساد ما لم تتحمل الحكومة الأفغانية ذاتها المسؤولية الرئيسية عن التصدي له.
إن أفضل السبل للمساعدة على جعل الحكومة الأفغانية أكثر تحملاً للمسؤولية وتقبلاً للمساءلة أمام شعبها على الأمد البعيد يتلخص في العمل على تعزيز الديمقراطية الأفغانية، ولكن هذا المستوى من المسؤولية لا يزال بعيد المنال  وأفغانستان الآن في حاجة ماسة إلى حكم أفضل.
ولتعزيز المسؤولية في الأمد القريب فيتعين على المجتمع الدولي أن يدعو الإدارة الأفغانية القادمة إلى تحديد أهدافها الخاصة فيما يتصل بالحكم الرشيد، وتحديد المعايير الصالحة لقياس التقدم. وإذا اقتنع المجتمع الدولي بصحة هذه الأهداف فلابد أن تستمر المساعدات ما دامت الحكومة الأفغانية حريصة على تلبية المعايير التي حددتها بنفسها. وإن لم يتم الأمر على ذلك النحو فمن الممكن تحجيم المساعدات بهدف تفادي استمرار الأموال الدولية في دعم الممارسات الفاسدة.
إن أفغانستان دولة ذات سيادة، وحكومتها لديها السلطة التي تسمح لها بأن تفعل ما تشاء. ولكن المجتمع الدولي ليس ملزماً بتمويل الفساد الرسمي. والإصلاح النابع من الداخل هو النوع الوحيد من الإصلاح القادر على إحراز النجاح، ولن يتسنى ذلك النجاح إذا نظر المسؤولون الأفغان إلى المساعدات الدولية باعتبارها أمراً مسلماً به أو نظروا إلى أنفسهم باعتبارهم تابعين في عملية إصلاح دولتهم.
وما لم يُعالَج الفساد الرسمي على النحو اللائق فإنه قادر على تقويض الأوضاع في أفغانستان وجعل استمرار الدعم الدولي أمراً غير وارد وتحويل النجاح إلى حلم مستحيل. لقد آن الأوان لكي تتولى الحكومة الأفغانية زمام الأمر في مكافحة الفساد، ولكي يؤكد المجتمع الدولي بوضوح أنه لن يقدم شيكاً على بياض ما لم يحدث ذلك.
الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى