صفحات العالمما يحدث في لبنان

دوحة جديدة أو طائف جديد

جورج علم
كان المنسّق العام للسياسة الخارجيّة والامن في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا على اطلاع عميق حول تفاصيل ازمة التأليف، ولم تقصّر البعثة الاوروبيّة في التبليغ، ولا سفراء الاتحاد الاوروبي المعتمدون في بيروت. وليست المرّة الاولى التي يشير فيها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى التحديات الماثلة، فقد فعل في الاول من آب، وربما ايضا في مناسبات سابقة.
حاول سولانا ان يقارب ازمة التأليف ليقنع نفسه قبل الآخرين بما اذا كان بالإمكان القيام بدور ايجابي يفتح الطريق امام سعد الحريري للوصول الى السرايا. لم يحمل معه مضبطة اتهام، ولا حمل ما يؤكد «ان الاكثريّة تحكم، فيما الاقليّة تعارض»، بل وضع السلم الاهلي في الميزان، وأكد عل انه يبقى في طليعة سلّم الاولويات. وغادر بعدما رسّخ قناعات، اولاها انه ملّم بمواقف الجميع من الموضوع الحكومي، من مصر الى سوريا والسعودية وقطر وإيران… وأنه مطّلع بعمق على تصريحات جيفري فيلتمان وبنيامين نتنياهو، وما بينهما، وبالتالي لم يتحزّب لهذا الطرف او ذاك، بل حاول ان يكتشف من يشدّ ازر هؤلاء، ويؤيد منطق اولئك، تاركا وراءه سؤالا: هل هي حكومة لبنان، ام حكومة كونيّة في لبنان؟.
ووجد ان الرئيس التوافقي في واد، والفعاليات السياسيّة في واد آخر. يحدثهم رئيس الجمهوريّة عن التحديات التي تثقل كاهل الوطن، فيحدثونه عن «الكوتات» والحقائب، وحصة كلّ طرف، ومدى توازنها مع حصّة الطرف الآخر. ويحدثهم عن المصلحة الوطنيّة، فيواجهونه بالمصالح الشخصيّة. ويشير الى بعض الخلل الذي يفترض اصلاحه في الاداء الدستوري، فيحدثونه عن الامتيازات الطائفيّة والمذهبيّة التي كفلها الدستور، مع إشعار بعدم المسّ بها كونها من المكتسبات.
وحاول ان يصل الى مكان يمكن فيه الفصل بين الصعوبات الداخليّة، والضغوطات الخارجيّة، وإذ به يكتشف قناعة مفادها ان الغالبيّة تنتظر حلاّ يأتي من الخارج، فيما يبني البعض حساباته على هذا الاساس.
ويوسّع وليد جنبلاط بعيد لقائه سولانا من دائرة تحرّكه باتجاه الضاحية، ويلتقي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله، ليمررّ ابلغ الرسائل الى الفريق الاكثري «لقد ارتضينا الطائف، والطائف حسم الخيارات، وقال ان إسرائيل هي العدو، وسوريا هي الصديق والشقيق».
ويفرض التصويب الجنبلاطي اعادة القراءة في الثوابت، بل في موقع لبنان من المشروعين والتوجهين والإصطفافين العربي ـ الاقليمي الضاغط، من دون التنكر للعناوين المطروحة في ساحة السجال الداخلي، من الدستور، الى الصلاحيات، الى المحكمة ومعايير شفافيتها، متى تكون مسيّسة، ومتى تكون فوق الشبهات، الى السلاح اللاشرعي والخلاف حول ماهيته بين الدور المقاوم، والدور الميليشياوي، ناهيك بوظيفة السلاح خارج المخيمات، وفي داخلها، فضلا عن حجم الدين العام، وتداعياته على الوضعين المعيشي والاجتماعي، وخصخصة القطاعات المنتجة…
إن هذه العناوين وغيرها «تكسر الظهر»، وتترك انطباعا بأن سبل المعالجة تبدو كأنها من سابع المستحيلات، لكن عندما يخرج الخلاف والتباين في وجهات النظر ليلامس خطوط الثوابت والمسلّمات الوطنيّة «الحمراء»، فمعنى ذلك ان اللبنانيين ـ وفق الخلاصات التي استنتجها سولانا ـ باتوا بأمس الحاجة الى مؤتمر وطني تحتضنه الدوحة او الطائف من جديد.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى