لماذا لم يتظاهر العرب تضامناً مع السويد… وهل العروبة خيمة؟
زين الشامي
منذ فترة قصيرة تابعنا جميعاً كيف شنت إسرائيل هجمة ديبلوماسية وإعلامية شرسة ضد السويد على خلفية نشر صحيفة «أفتون بلادت» تقريراً للصحافي «دونالاد بوستروم» بعنوان «انهم ينهبون أعضاء أولادنا»، وفيه يتحدث عن لجوء عناصر في الجيش الإسرائيلي إلى قتل الفلسطينين بدم بارد ومن ثم أخذ جثثهم إلى المشرحة لأيام عدة بغية سرقة أعضائهم.
التقرير خطير بكل معنى الكلمة لأنه يعيد الى الأذهان الفضيحة التي تناولتها وسائل الإعلام الأميركية منذ نحو شهرين عن إلقاء القبض على رجال أعمال وحاخامات يهود في مدينة نيوجيرسي بتهمة التجارة بالأعضاء البشرية، عدا عن ذلك فإن أهمية التقرير تنبع من توقيته كونه يأتي في وقت تعيش فيه العلاقة الأميركية – الإسرائيلية مرحلة صعبة، ومعها العلاقة الأوروبية أيضاً، بعد وصول اليمين الإسرائيلي إلى الحكومة في فبراير الماضي. كذلك فإن أهمية التقرير تأتي من كون الصحافي والصحيفة التي نشرته، ينتميان إلى العالم الغربي الديموقراطي، وهو ما يعطي مصداقية وفاعلية أكبر للموضوع.
لكن ورغم أهمية ما نشر من الناحية الديبلوماسية بالنسبة للفلسطينيين والعرب عموماً، ورغم خطورته على إسرائيل وصورتها في العالم، فإننا ومع كل أسف لم نشهد أي تحرك ملموس سواء على مستويات رسمية أو شعبية تعبر عن متابعة للقضية، أو عن تضامن مع الحكومة السويدية التي دافعت بقوة عن حرية التعبير في وسائل إعلامها، أو مع الصحافي الذي نشر التقرير. ولقد تعرضت السويد كما أسلفنا، إلى هجمة غير مسبوقة من قبل إسرائيل ووسائل إعلامها ومسؤوليها الذين لم يتورعوا جميعاً عن التلميح إلى اتهام استوكهولم بمعادة السامية، والنازية، وغيرها من الاتهامات الجاهزة والمعدة مسبقاً لكل منتقد للسياسة والجيش الإسرائيليين.
على مستوى العالمين العربي والإسلامي، لم تشهد أي مدينة بدءا من جاكرتا، ومروراً بكابول، وكراتشي، وطهران، ودمشق، وبيروت، والقاهرة، والجزائر، وغيرها، أي تظاهرة تضامنية مع السويد، بل كان هناك صمت مطبق يلف كل العواصم العربية والإسلامية.
هذا الموقف السلبي يعيدنا وباستغراب شديد، إلى تلك المظاهرات العنفية والصاخبة التي شهدتها العديد من العواصم والمدن العربية والإسلامية احتجاجاً على نشر صحيفة «يلاندز-بوستن» الدنماركية، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، صوراً كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. ووقتذاك، قتل العديد من المسلمين خلال التظاهرات، وعبر الكثير منهم عن توعهدهم بالانتقام، لا بل أن متظاهرين في العاصمة السورية دمشق لم يتورعوا في التعبير عن نصرتهم لرسولهم ومحبتهم له، بحرق السفارتين الدنماركية والنرويجية.
ان هذا الصمت السلبي، في العالمين العربي والإسلامي، الذي واكب محنة السويد وصحفييها بعد الهجمة الإسرائيلية، يدل على أن ثقافتنا تحمل معايير وقيماً أخلاقية مزدوجة، ويدل على ذلك عجزنا الثقافي والإعلامي والديبلوماسي للانتصار لقضايانا بطريقة حضارية تعكس تواصلنا مع الآخر.
من ناحية ثانية، وبعد قرار القضاء الاسكتلندي
بالإفراج عن الليبي عبد الباسط المقرحي المتهم بتفجير طائرة «بان اميركان» فوق منطقة «لوكربي» في اسكتلندا وقتل أكثر من 170 شخصاً، لم يكن مستغرباً أن
يوجه الكثير من المواطنين البريطانيين والأميركيين والكثير من الصحافة الغربية، الانتقاد الشديد للقضاء الاسكتلندي بسبب هذا القرار، لأنه من غير المنطقي، بنظرهم ومفهوم الثقافي والقضائي، أن يتم الافراج عن شخص متهم بتفجير الطائرة. وبغض النظر عما تقوله الحكومة الليبية عن براءة المقرحي في هذه القضية، فإنها هي ذاتها الحكومة التي دفعت تعويضات مالية بمليارات الدولارات لأهالي الضحايا، وهذا يعكس اعترافاً ضمنياً بعملية التفجير.
في هذه الأثناء يستعد العقيد الليبي معمر القذافي إلى السفر إلى نيويورك في شهر سبتمبر للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد انشغلت وسائل الإعلام الأميركية والعالمية أيضاً بالخيمة التي ترغب الحكومة الليبية بتجهيزها للزعيم الليبي قبل وصوله الأراضي الأميركية، ومن الطبيعي أن يثار لغط كبير في الولايات المتحدة بسبب هذه الخيمة لأن توقيت الاعلان عن تجهيزها أتى متزامنا مع قضية الإفراج عن المقرحي، والكل يعرف أن هناك نحو 159 أميركياً قضوا جراء ذلك التفجير. وعليه من الطبيعي أن يعبر الرأي العام عن امتعاضه من «زرع» الخيمة البدوية الليبية في عقر دار الولايات المتحدة، لا بل ربما في منطقة يعيش فيها بعض ضحايا تفجير لوكربي.
لكن الخيمة وزرعها في المكان الذي يحل فيه الزعيم الليبي تبدو قضية حيوية وحساسة، وربما تتعلق بالكرامة الوطنية بالنسبة للحكومة الليبية، وربما تبدو الخيمة وزرعها في «قلب أميركا» أكثر أهمية من زيارة القذافي نفسه، ومن الكلمة المحتملة التي سيلقيها في مبنى الأمم المتحدة!
للأسف يعتقد البعض أن الهوية والعروبة والقيم الوطنية تختزلها مجرد «خيمة» كبيرة تحظى باهتمام الكاميرات التلفزيونية.