الصراع على العراق
سميح صعب
مع دخول المنطقة مرحلة الانحسار العسكري الاميركي، متمثلاً ببدء استراتيجية الخروج من العراق بعد ستة اعوام من الاندفاع الذي تلا غزو الولايات المتحدة لهذا البلد، يحتدم الصراع داخل العراق وخارجه على من ستكون له الغلبة في المرحلة المقبلة.
في الداخل اصطفافات سياسية جديدة قبل الانتخابات العامة المقبلة التي ستجري في كانون الثاني المقبل. والفائز في هذه الانتخابات سيمسك بالبلاد في السنوات الاربع التي سيتخللها الانسحاب الاميركي العسكري الكامل. وحتى الآن يحاول رئيس الوزراء نوري المالكي ان يبدي تمايزاً عن بقية الاحزاب التي كونت الائتلاف الشيعي الموحد الذي كسب الانتخابات في 2005. ورداً على هذا التمايز برز الائتلاف الوطني الذي يضم القوى السياسية الرئيسية التي تألف منها الائتلاف السابق.
البعض قرأ في الائتلاف الوطني رسالة ايرانية الى المالكي كي يوقف اندفاعه في اتجاه تبني سياسات تحمل قدراً اكبر من الاستقلالية عن ايران وسياستها الاقليمية. وقد ترجمت هذه الاستقلالية بالازمة الاخيرة بين بغداد ودمشق على اثر تفجيري “الاربعاء الدامي” في 19 آب الماضي.
فإثارة الأزمة مع سوريا لا يمكن حصرها ببعدها السوري فقط، وإنما هي مرتبطة بمسار أعم يشمل ايران الاكثر قرباً من سوريا في المنطقة.
من هنا، فإن المالكي يراهن على ان تمايزه عن بقية حلفائه في الائتلاف الشيعي السابق قد يجذب اليه حلفاء جدد من تيارات سنية وكردية، فضلاً عن الدعم الاميركي، وانه بالصيغة الجديدة قد يستطيع الاحتفاظ بالسلطة إلا اذا رأى في اللحظة الاخيرة ان مثل هذا الرهان لن يوصله الى نتيجة، فيعود فيلتحق بالائتلاف الوطني الجديد.
وبقدر ضراوة المعركة الداخلية، تدور معركة اكبر بين الدول المجاورة على من سيكون له النفوذ الاكبر بعد الانسحاب الاميركي، وعلى من سيملأ الفراغ الذي سيتركه الاميركيون. وتنظر سوريا الى العراق بصفته عمقها الاستراتيجي الذي تطمح الى إقامة علاقة مميزة معه نظراً الى الترابط الحياتي والجغرافي بين البلدين مما يجعل أحدهما متمما للآخر. وقد دفعا في الماضي ثمنا باهظا للخصومة التي نشأت بينهما من عام 1979 حتى سقوط نظام صدام حسين في 2003.
أما ايران، فإنها بدت بعد سقوط النظام العراقي السابق انها اكبر الرابحين، لان الاحزاب الحليفة لها في بغداد والتي احتضنتها في الاعوام الـ 30 الاخيرة هي التي تحكم العراق الآن. وبعدما كان العراق العدو رقم واحد لايران بات الآن البلد الاقرب اليها في المنطقة. وستدافع ايران عن موقعها هذا في مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي.
أما تركيا فإنها تنظر الى العراق بمقدار ما يشكله عليها شماله من خطر، نظراً الى وجود “حزب العمال الكردستاني” هناك. وانقرة تريد دوماً ان تكون بغداد أقوى من الاطراف، كي لا يذهب اكراد العراق بعيداً في الاستقلال عن المركز، مع ما يعنيه ذلك من احتمال انتقال العدوى الى داخل تركيا. وربما لهذه الاسباب سارع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى طرح تسوية تاريخية مع الاكراد تنهي القلق التركي من الشعور الكردي المتصاعد بالاستقلال.
ويبدو ان السعودية غير مقتنعة حتى الآن بالنظام الجديد في العراق، ولم ينل منها اعترافاً، وكانت اثقل الدول حماسة للتطبيع مع نظام تحكمه الاكثرية الشيعية. أما الكويت، فإن تجربتها المريرة مع صدام تحتاج الى وقت كاف كي تشعر بالاطمئنان. وأبرز دليل على ذلك مشلكة تعويضات الحرب التي عادت الى الواجهة أخيراً.
إن العراق، المفترض ان يكون من أقوى الدول العربية واغناها، يعيش اليوم ربما المرحلة الادق في تاريخه في انتظار ما سيسفر عنه الصراع في داخله ومن حوله.
النهار