صفحات العالم

الفوضى غير البناءة

ساطع نور الدين
عدا عن بيان مقتضب وملتبس صدر مساء الأربعاء الماضي، لاذت أميركا بصمت مريب إزاء الأزمة المتصاعدة بين سوريا والعراق، والتي قد لا تقتصر على اللجوء الى المحاكم الدولية لاسترداد مطلوبين عراقيين يقيمون داخل الأراضي السورية، ولا تعتمد على الوسائل الدبلوماسية التي لم يكن احترامها يوماً من تقاليد البلدين او من تاريخهما.
البيان الأميركي الأول الذي صدر بعد ساعات على انفجار الأزمة، تحدث عن خلاف ثنائي بين دولتين لا شأن لواشنطن به، وأوحى بأن أميركا ليست سوى منظمة إنسانية لا تهتم إلا بأعمال الخير ولا تنشر سوى قيم المحبة والسلام، وهي تريد الحوار بين دمشق وبغداد ولا شيء سوى الحوار لحل ذلك الخلاف، الذي يعرف الأميركيون قبل سواهم أنه لا يدور حول العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الشقيقين التي خفضت الى ما دون السفراء، بل تفجيرات استهدفت ثلاث وزارات عراقية رئيسية وعدد من المؤسسات الحكومية العراقية وكادت تؤدي الى إسقاط «النظام العراقي» الذي أرسته أميركا طوال السنوات الست الماضية.
ولم تخرق واشنطن ذلك الصمت إلا عندما أذاعت السلطات العراقية قبل يومين أنباءً تفيد أن اثنين من منفذي تلك التفجيرات في بغداد سبق أن أفرج الأميركيون عنهم قبل اشهر من معسكر بوكا. جاء النفي الأميركي لهذه الأنباء سريعاً، متضمناً رداً على ما بدا في الاتهام العراقي عن تورط او على الأقل عن تساهل من قبل الأميركيين في شأن شبكات الإرهاب البعثية والإسلامية التي ترددت اكثر من مرة معلومات عن مفاوضات تجريها معها سلطات الاحتلال الأميركي.
بداهة القول إن حكومة نوري المالكي لم تكن لتجرأ على تفجير هذه الأزمة الكبرى مع سوريا من دون ان تكون قد حصلت مسبقاً على موافقة ضمنية أميركية، لا تستوي مع ذلك الصمت ومع الوقائع التي سجلت على مدى الأسبوعين الماضيين، والتي بلغت حد الكلام السوري شبه الرسمي عن أن واشنطن وبخت المالكي وطلبت منه التجاوب بسرعة مع الوساطتين التركية والإيرانية.. بعدما كان حلفاؤه العراقيون قد تنصلوا منه وأعلنوا لائحتهم الانتخابية من دونه ومن دون حزبه.
الزعم أن هناك خطة أميركية وراء افتعال الأزمة والوقوف على مسافة واضحة منها، يوحي بأن أميركا قررت التخلص من المالكي الذي ورثه الرئيس باراك اوباما من سلفه جورج بوش ولا يكنُّ له أي ود أو تقدير، كما ينبئ بأن أميركا قررت أن تترك العراق نهباً للفتنة المذهبية من جهة، وضحية لحرب حدودية لا تهدأ مع جارته الغربية، بما يتيح للقوات الانسحاب بطريقة آمنة من قواعدها العراقية.. وكلا الأمرين لا يحتاج الى خطة ولا الى هذا الوقت والجهد الذي ينضم اليه الإيرانيون والأتراك من دون دعوة اميركية، ومن دون نداء عربي طبعاً.
الأرجح أنها الفوضى فقط، وهي ليست بناءة كما كانت في عهد بوش، الذي خطط للخراب والدمار لكي يعيد البناء على هواه.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى