ليست أزمة عربية
ساطع نور الدين
عدا الصمت الاميركي المريب إزاء الازمة المتصاعدة بين سوريا والعراق، التي استدعت تدخلا ايرانيا وتركيا عاجلا، ثمة سكون عربي لا تخرقه سوى بعض التعليقات الصحافية الصادرة عن كتّاب يقتربون بدرجات متفاوتة من مصادر صنع القرار في بلدانهم، وهي لا تكفي وحدها لتبين موقف هذه العاصمة أو تلك وميلها لأي من البلدين العربيين اللذين حكم عليهما التاريخ بصراعات لا تنتهي، ولا تخضع لأي معايير سياسية أو قومية أو حتى دينية.
التدخل الايراني والتركي لا يعبر فقط عن حيوية دبلوماسية يتمتع بها الجانبان اللذان احتلا المشهد السياسي العربي على مدى السنوات القليلة الماضية، بقدر ما يعكس ضمنا قدرا من الحياد وعدم الانحياز بين سوريا والعراق، اللذين يعتمدان في الكثير من عناصر استقرارهما الداخلي على ما تحدده طهران وأنقرة لنفسيهما من مواقف ومصالح وطنية وإقليمية، تستدعي تأييد العملية السياسية في بغدادوتطويرها وفك الحصار الدولي عن دمشق وانتزاع الاعتراف بشرعية دورها.
وبهذا المعنى، لا يمكن العثور على نقاط اختلاف أو افتراق ايراني تركي في التعاطي العام مع السلطة المركزية القائمة في الجارين العربيين، والتي تريح أنقرة من عناء مواجهة المشكلة الكردية وحدها، وتفتح طريق طهران الى كل من فلسطين ولبنان. يمكن الحديث عن بعض التفاصيل العراقية والسورية التي لا تطمئن الايرانيين والاتراك، لكنها لا تشكل عائقا جديا أمام التحالف والتواصل ولا تمنع الحرص الشديد على أمن الحدود المشتركة، التي لا يعبرها فقط الارهابيون، بل ايضا التجار بأرقام تصل الى أربعة مليارات دولار سنويا لكل من ايران وتركيا.
لكن هذا الحياد الايراني والتركي لن يصمد طويلا. فالازمة الآخذة في التفاقم ستضطر طهران وأنقرة على حد سواء الى الاختيار في مرحلة لاحقة بين بغداد ودمشق، والى الضغط على إحدى العاصمتين لتقديم المزيد من التنازلات لتحقيق المصالحة التي تفيد استقرارها والاستقرار الاقليمي عموما، تحت شعار الحد من الدور الاميركي أو الاجنبي، الذي لا يريد لأهل الاقليم أن يعالجوا مشكلاتهم بأنفسهم. ومن السهل التكهن منذ الآن في ما اذا كانت دمشق ام بغداد هي التي ستكون عرضة لهذه الضغوط!
في المقابل، فإن أخبار الازمة لا تزال تنشر في بقية العواصم العربية باعتبارها مشكلة تقع خارج حدود المنطقة العربية، أو على التخوم البعيدة وهي تدور بين بلدين تثار شكوك أو أسئلة متفاوتة حول «عروبتهما»، مما لا يستدعي بالتالي التدخل لا من أي عاصمة عربية ولا حتى من الجامعة العربية التي حاولت التحرك منذ اليوم، لكنها سرعان ما تراجعت لأسباب غير مفهومة وغير مبررة طبعا. ولا شك في أن هذه المسافة التي اتخذتها مختلف العواصم العربية من الازمة، تعبر عن مشكلات عميقة بينها وبين كل من بغداد ودمشق، وعن رغبة دفينة في أن تتخلص من خطر هاتين العاصمتين، وان كانت تميل بالطبع الى إحداهما وتتمنى أن تخرج بالحد الادنى من الأضرار والخسائر.
ليست أزمة عربية، بقدر ما هي مشكلة ايرانية، وتركية الى حد ما، لكنها بالتأكيد ليست مشكلة أميركية.
السفير