سوريا بشار لن تدفع لأحد
سركيس نعوم
يبدو ان الخلاف الأخير بين العراق وسوريا بشار الاسد مرشح للتفاقم. فالأول لا يزال يصر على ان تسلمه سوريا القياديين البعثيين الاثنين المتهميْن بالتخطيط للتفجيرات الانتحارية الضخمة التي هزت بغداد أخيراً وأوقعت عشرات القتلى ومئات الجرحى، ولا يزال يهددها بالطلب الى مجلس الأمن انشاء محكمة دولية تتولى التحقيق في هذه الاعمال الاجرامية وأخرى كثيرة غيرها. والثانية، لا تزال تطالب المسؤولين العراقيين بتسليمها ادلة تثبت اتهاماتهم. لا بل انها عمدت، رغم بدء تركيا وايران مساعيهما لحل الخلاف بين الدولتين الشقيقتين، الى التصعيد بوصفها الاتهامات العراقية بـ”اللاأخلاقية”.
أين اميركا من هذا الخلاف؟ صحيح انها دعت دمشق وبغداد الى ايجاد حل له بالحوار المباشر، تجيب الجهات الاميركية نفسها المتابعة للعلاقة السورية – الاميركية بكثير من الدقة والاحتراف، لكنها في الوقت نفسه تدعم مطلب الحكومة العراقية مجلس الأمن انشاء محكمة دولية تتولى البحث المعمّق والجدي في تصرّف الحكومة السورية وخصوصاً السماح للمتطرفين الاسلاميين ولأعضاء من حزب البعث العراقي لاجئين الى سوريا بالقيام باعمال شائنة واجرامية في العراق او بالتخطيط لها ورعاية تنفيذها. وغني عن القول ان اخفاق دمشق وبغداد في التوصل الى تسوية او تفاهم من شأنه ابراز الدعم المذكور وتقويته. وفي اي حال، تستدرك الجهات اياها، تعرف الولايات المتحدة من زمان ان الرئيس السوري بشار الاسد، مثله مثل والده الراحل الرئيس حافظ الاسد، لا يزال على اتفاق مع المتطرفين الاسلاميين الذين يسمح لهم بعبور اراضي بلاده الى اي جهة يريدون شرط ألا ينخرطوا في اي نشاطات ارهابية وغير قانونية داخل بلاده. وتعرف الولايات المتحدة ايضاً انه سيكون من الصعب على الرئيس بشار الاسد ان يسلّم السلطات العراقية اعضاء من حزب البعث العراقي. ذلك ان تصرفاً من هذا النوع لا بد ان يتسبب له بألم في الرأس، كما يقال، لانه يرى نفسه حامياً، بنظامه، ما تبقى من الحزب المذكور بجناحيه العراقي والسوري. ولذلك فإنه من غير المحتمل ان يتجاوب مع اي طلب لتسليم اي بعثي مطلوب من أي جهة كانت.
ماذا عن علاقة سوريا بشار الاسد بمصر والمملكة العربية السعودية في نظر الاميركيين؟
تعتقد الجهات الاميركية المتابعة نفسها ان سوريا لا تمانع في المأزق الذي تعيشه علاقتها مع كل من هاتين الدولتين، او بالأحرى في الطريق المسدودة التي وجدت هذه العلاقة نفسها فيها. وتعتقد ايضاً انها قد لا تمانع في تردّي العلاقة معهما مجتمعتين او مع اي منهما. اما السبب الكامن وراء ذلك فهو معرفة سوريا بشار انها عندما تنفتح على اميركا وتبدأ فعلياً عملية مراجعة لمواقفها الاميركية والاقليمية وتقرر الاصطفاف الى جانب اميركا مباشرة او مداورة، فإن مصر والسعودية ستهرعان إلى مساعدتها وستقومان بكل ما يمكن ان يُطلب منهما لإعادة تأهيلها وفي اكثر من مجال. فضلاً عن ان هذه السوريا لا تبدو مستعدة لدفع اي ثمن تطلبه القاهرة او الرياض او الاثنتان قبل ان تتحسن علاقاتها الثنائية مع اميركا. وهذا الموقف يعني، على الصعيد اللبناني، ان سوريا بشار الاسد لن تسهّل الآن عملية تأليف الحكومة اللبنانية.
ماذا عن سوريا بشار الاسد واسرائيل في ظل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، من وجهة نظر الاميركيين؟
على هذا الصعيد، تجيب الجهات الاميركية المتابعة نفسها بان الرئيس السوري لا يخشى مواجهة عسكرية بين “حزب الله” واسرائيل، ولا يعتقد ان اسرائيل ستوجه ضربة عسكرية الى المنشآت النووية الايرانية والبنى النووية التحتية على الأقل في المديين القصير والمتوسط. وبناء على ذلك فإنه سيواصل سياسة منع او تعطيل ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة. الا انه سيحرص، مع ذلك، على عدم حصول مواجهة واسعة امنية وربما عسكرية بين السنّة والشيعة في لبنان. كما سيحرص على عدم استفزاز “حزب الله” اسرائيل واستدراجها الى صراع مسلح معه. بعبارات اخرى، تضيف الجهات الاميركية المتابعة نفسها، الطريق المسدودة والطرق ستبقى مسدودة. والرئيس السوري يستطيع ان ينتظر لأنه يعرف انه في النهاية سيحصل (اي سيستعيد) على مرتفعات الجولان المحتلة عندما يقرر التفاوض المباشر مع اسرائيل او اذا قرر ذلك. وبما انه يعرف ان الاستعادة مضمونة او على الأقل مفترضة فإنه يفضل الانتظار ليرى ماذا يمكن ان يحصل على صعيدين. الأول، المسار الفلسطيني – الاسرائيلي في ضوء مهمة الموفد الاميركي جورج ميتشل في المنطقة وفي ضوء التفاوض المباشر بين المسؤولين الكبار في اسرائيل واميركا. اما الثاني فهو العلاقة او بالأحرى اللاعلاقة بين اميركا والجمهورية الاسلامية الايرنية.
وفي انتظار هذا ليس أمام اللبنانيين الا ان يصبروا اذا استطاعوا.
النهار