بغداد واستضافة المعارضة السورية
إياد الدليمي
في خضم الأزمة التي افتعلتها الحكومة العراقية مع سورية، تطايرت حمم من تصريحات لمسؤولين عراقيين تجاه دمشق، وكان أغرب كل تلك التصريحات هو ما أعلنه صادق الركابي، مستشار رئيس الحكومة نوري المالكي، عندما قال إن بغداد يمكن لها أن تستضيف المعارضة السورية كردِّ فعل على استضافة دمشق للمعارضة العراقية على أراضيها.
ربما فات السيد الركابي أن المعارضة السورية تختلف عن تلك التي كان يقوم بها الموجودون في السلطة العراقية اليوم قبل الاحتلال الأميركي، فهذه المعارضة السورية هي معارضة وطنية بامتياز أجبرت حتى النظام في دمشق على الاعتراف بها أكثر من مرة، هذه المعارضة رفضت أكثر من مرة الاستقواء بالدول الغربية وأميركا على النظام في دمشق؛ لأنها ترى ذلك منافياً للوطنية والنهج السلمي الذي اتخذته تلك المعارضة في سبيل تغيير النظام، بل إن الإخوان المسلمين السوريين في الخارج قرروا أكثر من مرة وقف حملاتهم الإعلامية ضد النظام عندما كان يمر بأزمة مع الولايات المتحدة أو غيرها.
إن السيد الركابي لا يدرك أن الفعل المعارض للأنظمة لا يعني الاستقواء بالأجنبي، فالسيد الركابي ومن معه في السلطة اليوم هم من فتحوا أبواب بغداد لقوات الاحتلال الأميركي.. هم من عقدوا المؤتمرات مع أجهزة المخابرات الأميركية وغيرها طيلة سنوات من وجودهم خارج العراق من أجل إقناعهم بأهمية احتلال العراق وإسقاط نظامه.. هم من سوّقوا حملة الأكاذيب بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، تبين فيما بعد وباعتراف القوات الأميركية أنها لم تكن سوى كذبة.
إن الفعل المعارض للأنظمة يجب أن يكون فعلاً وطنياً بالدرجة الأساس، وأن يكون بحثاً عن سبيل لإنقاذ الوطن من وضع سيئ يعيشه، لا أن يكون فتح البلاد والتآمر مع الأجنبي لاحتلالها، كما حصل مع العراق.
أتمنى أن تعرض الحكومة العراقية فعلاً أراضيها لاستقبال المعارضة السورية، وعند ذاك سوف تتعلم من هذه المعارضة كيف يكون حبُّ الوطن أسمى وأرفع من اختلاف مع نظام قائم، مهما كان حجم هذا الاختلاف والخلاف.
ولا ندري هنا، هل سيضمن السيد الركابي سلامة المعارضين السوريين إن هم جاؤوا إلى بغداد، خاصة أن الميليشيات التي قادت أوسع عملية تهجير وتطهير للعرب في العراق ما زالت موجودة وفاعلة وإن ارتدت ملابس الشرطة والجيش، فكما هو معلوم أن العراق كان يضم الآلاف من العرب من شتى الجنسيات، هؤلاء كلهم تعرضوا لحملة إبادة وتطهير دفعتهم إلى المغادرة، وما زالت خيام الفلسطينيين على الحدود بين العراق وسورية خير شاهد على ذلك.
إن الحديث عن استضافة سورية لمعارضين عراقيين، يدخل في باب السجال السياسي للضغط على دمشق بغية تحقيق أهداف أخرى داخل بغداد وفي محيطها الإقليمي، فليس الموجودون في سورية كلهم من المعارضة، وإذا كانت بغداد تبحث عن اسم بعينه للانتقام منه لأنه من أزلام النظام السابق، فأعتقد أنها سلكت الطريق الخطأ، خاصة أن الذاكرة القريبة لما بعد الاحتلال تؤكد أن سورية دفعت العديد من قيادات البعث باتجاه الحدود مع العراق، بل ومنعت آخرين من الدخول فكانت فرصة أمام بغداد لاعتقالهم وهو ما حدث فعلاً.
لقد كشفت الأيام الماضية أن هناك تناحراً داخل أجنحة الحكم في بغداد، فبينما كانت بعض القوى والأحزاب السياسية تتهم سورية جهاراً نهاراً، كانت هناك قوى وأحزاب عراقية أخرى تتهم إيران وتسوق الأدلة على وقوفها وراء تلك التفجيرات، وهو ما يشي بأن بغداد تعيش أزمة حكم وسلطة داخلية، أثرت بشكل سلبي على يوميات المواطن العراقي أولاً وعلى علاقة العراق بجواره العربي والإقليمي، ناهيك عن وجود نفس طائفي بات واضحاً في تصريحات البعض من ساسة العراق.
إن الحديث عن استضافة بغداد لمعارضة سورية، يأتي بعد أيام من تسريبات أشارت إلى أن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان العراقي همام حمودي، الذي ينتمي إلى الائتلاف، قدم طلباً لوزارة الخارجية العراقية للسماح لجماعة الحوثيين اليمنية بفتح مكتب لها ببغداد، وهو ما تناهى على ما يبدو لمسامع صنعاء التي سارعت إلى استدعاء السفير العراقي لديها، طلال العبيدي، وأبلغته استياءها من التدخل العراقي في الشؤون اليمنية.
حكومة بغداد بدأت على ما يبدو تلعب أدواراً ما زالت غير مهيأة لها أصلاً، وهو ما سوف ينعكس في الأيام المقبلة على مزيد من التوتر بينها وبين أشقائها العرب، وكل ذلك طبعاً يدخل في خانة المصلحة الإيرانية، التي تجد في الحكومة العراقية ورقة أخرى تلعب بها لصالح أجنداتها الخاصة، وكل ذلك حتماً لن يكون إلا على حساب المواطن العراقي الذي يدفع المزيد من دمه ثمناً لأجندة هذا الطرف أو ذاك.
على الحكومة العراقية أن تتروى في تصريحاتها، وعلى رئيس الحكومة أن يطلب من بعض مستشاريه وخاصته الكف عن التصريح للإعلام، وعلى أطراف عراقية أخرى أن تدرك أن العراق بمحيطه العربي أولاً ومن ثم بمحيطه الإقليمي، هذا إذا كانت بغداد ترغب فعلاً في أن تبدأ بداية جديدة وإذا كانت الحكومة الحالية أو التي ستأتي حريصة فعلاً على أن تكون حكومة على قدر المسؤولية.
العرب القطرية