سجناء الرأي في سوريا، من هم، ولماذا هم معتقلون؟
الكشف عن المفارقة بين أن يتوسط الرئيس السوري بشار الأسد لإطلاق سراح محتجزة فرنسية في إيران، وبين ان يكون لديه العشرات من سجناء الرأي، ربما أسهم في إحباط الدوافع “الإنسانية” التي ظل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعول عليها.
فقد ذهب الرئيس الأسد الى طهران الأسبوع الماضي وعاد، ولكن لم تكن المعلمة الفرنسية كلوتيلد ريس برفقته كما كان منتظرا من جانب باريس التي شكرته، على لسان الرئيس ساركوزي على الدور الذي لعبه في إطلاق سراح محتجزين
والسؤال الذي تردد على نطاق واسع قبل بدء الزيارة هو: إذا كانت الدوافع الإنسانية تحض الرئيس الأسد لكي يتوسط لدى طهران للإفراج عن ريس، فمن يتوسط لديه لإطلاق سراح فايز سارة؟
وسارة كاتب وباحث وصحافي معروف اعتقل قبل أكثر من عام بتهمة إصابة “نفسية الأمة بالوهن” بعد ان دافع عن معتقلين آخرين من سجناء الرأي وطالب بإطلاق سراحهم، فكان جزاؤه هو انه أخذ لينضم اليهم في سجن عدرا في الأول من آذار- مارس 2007..
ويبدو أن “نفسية الأمة” تحسنت منذ ذلك الوقت. إذ أن اعتقال أناس يجهرون في التعبير عن آرائهم مثل علي العبدالله وأكرم البني والمهندس نزار رستناوي والمحامي أنور البني ومصطفى جمعة ومشعل تمو وآخرين، لا بد وأن يكون وقعه حسنا على نفسية أمة مريضة. وهؤلاء الناس، دون غيرهم، هم سبب هوانها ومشاعر الذل والإنكسار التي تعاني منها.
وما تزال التحقيقات جارية لمعرفة ما إذا كان سارة ورفاقه هم المسؤولون عن هزيمة 5 حزيران-يونيو لعام 1967، وسلسلة الهزائم والإنكسارات الأخرى التي تعرضت لها المنطقة. وإذا بدا أن عملية السلام تتعثر، مما ساهم في إصابة نفسية الأمة بالوهن، فان طبيبا نفسيا فحص سارة والآخرين وتوصل الى ان هؤلاء المعارضين هم “الفيروس”، وانه أخطر على الصحة العامة من أي فيروس آخر.
ويقيم سارة وعدد من رفاقه في سجن عدرا، بينما تقيم ريس حاليا في مقر السفارة الفرنسية بطهران، في انتظار أن يصدر حكم ببراءتها في الأيام القليلة المقبلة، ويؤكد مراقبون أن سوريا التي أصبحت تتمتع بعلاقات طيبة مع الجانبين الفرنسي والايراني، لعبت دورا في هذه القضية على غرار ما قامت به في عملية إطلاق مواطنة فرنسية أخرى هي نازك أفشر.
وتم توقيف الشابة الفرنسية في مطار طهران في الاول من يوليو/تموز فيما كانت تستعد للعودة الى باريس مع انتهاء عقدها في أصفهان، واحتجزت منذ ذلك الحين في سجن ايوين بطهران الذي وصفه كوشنير بانه “سجن لا يحتمل”.
ورغم تحسن علاقاتها مع الغرب خلال الأشهر الأخيرة، تصعد الحكومة السورية حملة اعتقالاتها ضد شخصيات المعارضة ، بينما يرفض المسئولون السوريون الانتقادات الغربية بعدم مراعاة حقوق الانسان في سوريا، معتبرين أنها “تدخل في الشؤون الداخلية السورية”.
ويسجل السوريون أن قضية السجناء السياسيين في بلادهم حظيت بنقلة كبيرة بعد تسلم الرئيس بشار الأسد مقاليد الحكم عام 2000، بعدما أغلقت السلطات سجني المزة وتدمر وأعلن الأسد عن عفوين سياسيين واسعين أواسط تشرين الثاني-نوفمبر 2000 و2001 أطلق خلالهما سراح المئات من السجناء الذين ينتمون إلى أحزاب وقوى سياسية متنوعة، وبدا للعيان أن ملف الاعتقال السياسي في طريقه إلى حل نهائي بعد أن أنجزت الخطوة الأولى وهي الأصعب، وكان ثمة أمل ألا تقف الأمور عند هذا الحد وأن تليها خطوات نحو إطلاق سراح بقية السجناء السياسيين خاصة أن بعض الأرقام تشير إلى أنهم لا يزيدون عن 900 سجين، معظمهم أمضوا أكثر من عشر سنين في الاعتقال وأنهكتهم العزلة والأمراض.
وتعرض الآلاف ومعظمهم من الأكراد السوريين أو الأشخاص الذين يشتبه في انضمامهم إلى أحزاب سياسية محظورة أو إلى جماعات حقوق الإنسان، إلى الاعتقال التعسفي. وتم احتجاز هؤلاء في سجون انفرادية لفترات طويلة ضمن مواقع سرية دون أن تتم إحالتهم إلى السلطة القضائية، ولا يسمح لهم بالاتصال بمحاميهم أو بعائلاتهم.
وخلال العام 2005 أوردت التقارير أن تسعة سوريين على الأقل، من بينهم خمسة أكراد توفوا نتيجة للتعذيب وإساءة المعاملة التي تعرضوا لها في السجن.
ومعظم الذين اعتقلوا أطلق سراحهم بعد قضائهم فترات طويلة في الاحتجاز دون أن توجه لهم التهم، وهناك المئات ممن لا يزالون قيد الاعتقال وهم إما لم توجه إليهم التهم أو أنهم خضعوا لمحاكمات غير عادلة. تم اعتقال المئات من الأكراد بعد الاضطرابات العنيفة في شمال شرق سوريا في آذار 2004، وقد قتل خلال هذه الاضطرابات حوالي 36 شخصاً معظمهم من الأكراد.
معتقلون تحت ستار السرية والكتمان
ويضم سجن صيدنايا مجموعة من سجناء الرأي، لا تعلم أسرهم شيئا عنهم منذ واقعة التمرد، بسبب منع الزيارة في السجن وإحاطته بسياج كثيف من السرية والكتمان ، منهم:
× رياض درار 53 سنة ، كردي ، يعمل مدرس لغة عربية، ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني، اعتقل في يونيو 2005 على خلفية كلمة ألقاها في تأبين الشيخ معشوق الخزنوي في “القامشلي” طالب فيها بالتحقيق ومعاقبة المتسببين في مقتله ، حكم من قبل محكمة أمن الدولة في يونيو 2006 بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة نشر أنباء كاذبة من شأنها إثارة النعرات الطائفية والعنصرية، قضى سنتين منها في سجن عدرا، ثم جرى نقله إلى سجن صيدنايا.
نزار رستناوي ، 46 سنة ، مهندس ، ناشط في المنظمة العربية لحقوق الإنسان، اعتقل في نيسان- ابريل 2005، بسبب نشاطه القوي في مجال حقوق الإنسان ونشاطه في رصد الانتهاكات المستمرة في سوريا ، و التضامن مع سجناء الرأي ، صدر بحقه حكم بالسجن لأربع سنوات، يقضيها في سجن صيدنايا بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة حكمها عليه بتهمة نشر أخبار كاذبة و بتهمة تحقير وسب رئيس الجمهورية.
فراس سعد، شاعر وكاتب ناشط على الانترنت ، من مدينة اللاذقية، اعتقل في 30/7/2006 بسبب مقالاته التي كان ينشرها على موقع الحوار المتمدن الإلكتروني وضمنها مقال بعنوان “ميشيل كيلو يكشف المرض السوري” أحيل لمحكمة أمن الدولة في حزيران- يونيو 2007، وحكم عليه في نيسان- أبريل 2008 بالسجن لمدة أربع سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها وهن نفسية الأمة سنداً للمادة 286 من قانون العقوبات السوري.
طارق بياسي، مدون يبلغ من العمر 24 عاما ، من مدينة بانياس الساحلية اعتقل في 7/7/2007 من قبل الأمن العسكري بسبب تعليق كتبه في إحدى المنتديات الإلكترونية، ينتقد فيه سلبيات جهاز الأمن ، واعترف مباشرة بأنه الذي كتب هذه التعليقات ، تم إيداعه بسجن صيدنايا و حكمت محكمة أمن الدولة في دمشق علية بالسجن لمدة ثلاث سنوات (بعد تخفيفها من ست سنوات) بالتهمتين التاليتين :إضعاف الشعور القومي، هن نفسية الأمة، سنداً للمواد 285 – 286من قانون العقوبات السوري.
كريم عربجي، مدون، 30 سنة من حي باب توما في دمشق، خريج كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ، مدير المنبر الحر في منتدى أخوية الإلكتروني، اعتقل في 7/6/2007، أحيل لمحكمة أمن الدولة طلبت المحكمة تجريمه بـ”نشر أخبار كاذبة من شأنها إضعاف الشعور القومي” وفقاً للمادة 286 من قانون العقوبات، نقل إلى فرع فلسطين ثم إلى سجن صيدنايا العسكري. ورغم مرور أكثر من سنة علي حبسه لم يصدر حكم بحقه حتى الآن.
محمد وليد الحسيني67 سنة، موظف، اعتقل في 14/3/2006 بسبب مناقشة دارت بينه وبين صديق له في مقهى الروضة الشهير في دمشق ، وسمع الحديث بعض رجال الأمن السريين فاعتقلوه من المقهى، واتهم بارتكاب جناية “نقل الأنباء الكاذبة أضعفت الشعور القومي” بما قاله في المناقشة في المقهى، حكم في 15/4/2007 بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وهناك معتقلو رأي آخرين، مثل ماهر اسبر إبراهيم 28 سنة ، أعمال حرة محكوم بـ (سبع سنوات)، وطارق الغوراني 33سنة ، مساعد مهندس محكوم بـ (سبع سنوات)، وعلام فاخور 29 سنة ، طالب في كلية الفنون ، محكوم بـ (خمسة سنوات)، وأيهم صقر ( 33 عاما)، أعمال حرة محكوم بـ (خمسة سنوات)، وحسام ملحم 23 سنة طالب في كلية الحقوق ، محكوم بـ (خمسة سنوات)، دياب سرية 23 سنة ، طالب بكلية الحقوق ، محكوم بـ (خمسة سنوات)، عمر العبد الله 23 سنة ، طالب في كلية الآداب محكوم بـ (خمس سنوات).
وتقول جمعيات مراقبة اوضاع حقوق الانسان في سوريا ان هؤلاء اعتقلوا على دفعات منذ أواخر 2005 حتى آذار 2006، وتم التحقيق معهم بمعرفة القوات الجوية.
وأدين ماهر اسبر وطارق الغوراني” بإذاعة أنباء كاذبة ومعلومات ومقالات من شأنها تعريض سوريا لخطر أعمال عدائية “بموجب المادة 287 من قانون العقوبات؛ وقد صدر عليهما حكم بالسجن لمدة سبع سنوات، بينما صدرت على زملائهم الخمسة المتهمين، وجميعهم طلاب، باستثناء أيهم صقر الذي يعمل في صالون تجميل، أحكاماً بالسجن لمدة خمس سنوات من قبل محكمة أمن الدولة في18/6/2007، وكذلك بسبب مشاركتهم في تشكيل مجموعة نقاش شبابية ونشر مقالات مؤيدة للديمقراطية على الإنترنت.
ورغم تأكيد الشباب أنهم تعرضوا لتعذيب والمعاملة القاسية ، فلم تلتفت المحكمة لذلك وتم الحكم عليهم بالأحكام السابقة التي يقضونها في صيدنايا.
وهؤلاء السجناء الـ 13 ليسوا كل سجناء الرأي في سجن صيدنايا، الذي يضم بدوره جزء يسير من سجناء الرأي في سوريا.
إنهم فقط نموذج حالة يفضح القسوة الصارمة التي تمارسها هذه الحكومة ضد مواطنيها.
أن تصبح جملة مطاطة وغامضة بالقانون، يتم تفسيرها بشكل شرير سببا في سجن مخالفيها، وهم بالالاف في سوريا “إضعاف الشعور القومي، وهن نفسية الأمة” هذا هو نص المادتين “285، 286من قانون العقوبات السوري”.
وهو وضع لا يعقل ولا يقبله عاقل أبداً، وبالتأكيد هو غير محتمل بالنسبة لمن يعيشون في ظله فاقل ما يمكن أن يوصف به ما حدث مع هؤلاء السجناء هو كالتالي:
وكانت السلطات السورية أطلقت سراح الكاتب والصحافي المعارض ميشيل كيلو في 19 أيار- مايو الماضي، إنما بعد أن امضى محكوميته كاملة، كما أفرجت في يوليو- تموز الماضي عن المعارض محمود عيسى بعد انتهاء عقوبته بالسجن ثلاث سنوات، بعد ثلاثة أسابيع من تبرئة المعارض وليد البني من تهم نشر أنباء كاذبة.
وكان حكم على عيسى المترجم وأستاذ اللغة الانكليزية والسجين السياسي السابق (1992-2000) في مايو 2007 بالسجن ثلاث سنوات بعد توقيعه «اعلان بيروت دمشق» الذي يدعو الى تصحيح العلاقات السورية اللبنانية، و ادين عيسى «باضعاف الشعور الوطني» و«المس بهيبة الدولة» و«اثارة النعرات الطائفية»، واعتقل عيسى في أيار- مايو 2006 وافرج عنه بعد اربعة شهور قبل ان يتم توقيفه مجددا بعد ثلاثة اسابيع، بعدما كان وقع مع اكثر من 300 مثقف سوريين ولبنانيين «اعلان بيروت دمشق» في 2006 الذي يدعو سوريا الى الاعتراف بلبنان وخصوصا اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
وجرى في السنوات الخمس الماضية اعتقال عديد المعارضين بتهمة “إصابة نفسية الأمة بالوهن”، على الرغم من أن الأسد كان قد أمر في آب- اغسطس 2004، بالإفراج عن أقدم سجين سياسي في السجون السورية هو عماد شيحا، بعد قضائه ثلاثين عاما خلف القضبان، اثر إدانته بالانتماء إلى المنظمة الشيوعية العربية.
لكن أبواب الإفراج لم يدم فتحها طويلا، إذ سرعان ما عادت السجون لتستقبل عددا آخر من السجناء مع دخول البلاد في مواجهة مع الغرب حول حقوق الانسان وما يسمى بالإرهاب، إضافة إلى الأزمة مع لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ومغادرة الجيش السوري الأراضي اللبنانية.
ويطالب كثير من النشطاء السوريين نظام الرئيس الأسد بترجمة تقاربه مع الغرب إلى رفض قوانين الطوارئ التي سادت البلاد خلال السنوات الأخيرة، مؤكدين أن تلك السياسة لم يعد لها أي مبرر.
ودعا الناشط السوري في صفوف المجتمع المدني عارف دليلة، حكومة بلاده إلى الخروج مما وصفها بحالة “الجمود السياسي غير المبررة”، وفتح قنوات الحوار مع “المعارضة الوطنية”، وإشراكها في إدارة شؤون البلاد ومواجهة التحديات التي تعترضها.
وقال دليلة “بالنسبة للوضع السياسي لا تزال الأمور على حالها دون تغيير، والجميع في السلطة والمعارضة يشعرون بأنّ كل شيء مجمّد، والجميع لا يستطيع تفسير هذه الحالة غير المبرّرة من الجمود. والحقيقة أنه يجب أن يكون هناك شيء ما من التغيير والحركة، ربما هناك جهات داخل السلطة لها مصالح وتريد الأمور كما هي ولا تريد أي حركة”.
ودعا دليلة الذي لا يزال مفصولاً عن عمله كأستاذ جامعي، إلى ضرورة العمل على إحداث حراك ما باتجاه حوار وطني شامل بين الحكومة والمعارضة، وقال “أعتقد أنّ المعارضة بما في ذلك الإخوان المسلمون قادرة على الجلوس إلى طاولة حوار وطني، لكن السؤال هو: هل الحكومة ترغب في حوار من هذا النوع في هذا الوقت بالذات؟”.
وتدعو منظمة العفو الدولية منذ سنوات إلى إطلاق سراح سجناء الرأي، وتقديمهم إلى محاكمات نزيهة، والتحقيق في جميع حالات التعذيب وسوء المعاملة، لكن السلطات السورية تتجاهل هذه التقارير، وإن ردت عليها فإنها تعتبرها “مغرضة” و”غير نزيهة”، في حين يظل ما يجري داخل السجون لغزا لدى منظمات حقوق الانسان قد يحتاج حله إلى وساطات لن يقوم بها الرئيس الأسد نفسه، كما لا يتوقع أن يقوم بها الرئيس الايراني أحمدي نجاد أو أي من نظرائه في المنطقة.
أما الرئيس ساركوزي، فكل ما يهمه هو إطلاق سراح الشابة الفرنسية. وإذا أتيح له ذلك بالفعل، فان آخر شيء يمكن توقعه منه هو التوسط من اجل إطلاق سراح فايز سارة ورفاقه الآخرين.
www.mutawassit.com..
……………………