‘الحركات الاجتماعية الجديدة’ لفريد زهران: تأكيد على دور جيل السبعينيات في المستقبل المصري
محمود قرني
القاهرة ـ ‘القدس العربي’ عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان صدر كتاب الناشط اليساري ‘فريد زهران’ ‘الحركات الاجتماعية الجديدة’، ويعرج في البداية على بداية استخدام المصطلح الذي ارتبط بتعريف جماعات السكان والفئات الاجتماعية في أوروبا عقب حركة الشباب والطلبة في عام 1968، حيث رفعت هذه الحركات شعارات ومطالب سياسية أغلبها يهدف الى الدفاع عن البيئة، ونزع السلاح، وتحرير المرأة، ويضيف زهران أن الظاهرة انتقلت الى العالم الثالث بصفة عامة وأمريكا اللاتينية بصفة خاصة، وأخيرا انتشرت هذه الحركات وترسخت جذورها ـ حسب زهران ـ على نحو ملحوظ في آسيا.
ويتساءل زهران عن المطالب السياسية للحركات الاجتماعية وعما إذا كانت جزئية أو جذرية، ويقول إن الحركات المشار إليها لا يجمعها ـ بالضرورة ـ إطار سياسي موحد أو مرجعية سياسية واحدة، وهو ما يدفعه لطرح تساؤل جديد: لماذا لم تعبر العديد من الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتبنى مطالب اجتماعية اقتصادية أو مهنية جزئية ومحددة عن نفسها من خلال النقابات العمالية في أمريكا اللاتينية مثلا كأحد أهم معاقل هذه الحركات الاجتماعية الجديدة، وكذا في العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية رغم قوة النقابات العمالية في العديد من هذه البلدان؟.
ويجيب فريد زهران بأن هذه الحركات الاجتماعية الجديدة التي تتبنى مطالب اجتماعية اقتصادية تندرج في مجموعتين، الأولى تتبنى مطالب اقتصادية أو مهنية لفئات اجتماعية جديدة بعضها لم يعرف طريقه الى التنظيم النقابي او الاجتماعي من قبل، والمجموعة الثانية تتبنى مطالب اقتصادية أو مهنية لمجموعات سكانية لا تندرج ضمن إطار فئة اجتماعية واحدة من حيث التقسيم الاجتماعي للعمل، ويشير زهران الى ان المجموعة الأولى لم تنجح في تنظيم نفسها نقابياً ويرجع ذلك في نظره الى ان هذه الفئات في معظمها فئات مهمشة اعتادت قوى اليمين ـ وبالذات قوى اليمين الفاشي ـ أن تستخدمها فيما أهملتها قوى اليسار التقليدي، ويوضح زهران أنه يقصد بالفئات المهمشة الباعة الجوالين وعمال اليومية غير المهرة وأنصاف المهرة وخادمات المنازل والفئات المهمشة التي تقيم في العشوائيات البائسة على أطراف المدن نهبا للفقر المرضي والجهل، ويضيف ان الطبقات الرأسمالية المالكة في العديد من المجتمعات اعتادت استخدام هؤلاء المقهورين كبدائل للعمال الأصليين الذين قد يضربون عن العمل في أية لحظة، ويقول زهران:
شاهدنا ذلك في مصر عندما قامت السلطات باستخدام بلطجية من السيدات في التحرش والاعتداء على الصحافيات والمشاركات في مظاهرة احتجاجية على نتائج الاستفتاء الخاص بتعديل المادة 76 من الدستور أمام نقابة الصحافيين، ويشير زهران الى تكرار استخدام هؤلاء البؤساء المقهورين في قهر الآخرين، ويذكر أن قوى اليمين الفاشي في إيطاليا والمانيا، قامت بتجنيد مثل هذه المجموعات من معتادي الإجرام والبلطجة في إرهاب وترويع القوى الديمقراطية، وحدث في مصر ايضا بتجنيد الجماعات الإسلامية المتطرفة التي اتخذت الإرهاب وسيلة لفرض إرادتها.
ويذكر فريد زهران أنه في مصر وفي ظل الإفقار المتزايد والمستمر اتسعت هذه الفئات المهمشة الى حد مروع وجرى تهميش الملايين من فقراء الفلاحين والطبقات الوسطى بحيث بات لزاما على القوى الديمقراطية واليسارية ان تجد صيغا سياسية وتنظيمية لحشد وتعبئة هؤلاء المقهورين في نضال ايجابي من أجل تحسين شروط حياتهم والنهوض بمجتمعاتهم.
ويرصد فريد زهران ازدياد هذه الفئة المغلوبة بحيث يمكن التجنيد منها لصالح الفاشيست، وينتهي زهران الى القول بأن الحركات الاجتماعية الجديدة في العالم عبرت إما عن مطالب سياسية جزئية أو عن مطالب اقتصادية مهنية، وعملت هذه الحركات بشكل مستقل عن الأحزاب والنقابات وسعت للتعبير عن مصالح مشتركة لأشخاص قد ينتمون لفئات اجتماعية مختلفة كما سعت للتعبير عن فئات مهمشة أو فئات جديدة.
ويتساءل فريد زهران عما إذا كانت ثمة أهمية لانضمام هذه الجماعات الى الأحزاب، ويجيب بأنه من المعروف ان الأحزاب السياسية على اختلافها بما فيها جماعات اليسار الراديكالي قوية وراسخة في أوروبا، كما تتمتع نقاباتها العمالية بوزن كبير واستقلال ملحوظ في أدائها القوي رغم ما تتمتع به الأحزاب اليسارية من نفوذ في الكثير منها، ومن ثم فقد اعتبر البعض ـ حسب زهران ـ ان ظهور الحركات الاجتماعية عقب حركة الشباب والطلبة في 1968 إنما يؤكد أن هذه الحركات فرضتها ضرورات موضوعية تتجاوز مسألة وجود الأحزاب والنقابات من عدمه، وإلا فكيف ظهرت هذه الحركات رغم قوة الأحزاب والنقابات؟ ويردف فريد زهران أن البعض الآخر افترض أن هذه الحركات الاجتماعية الجديدة قد ظهرت جراء عجز النقابات والأحزاب عن التعبير عن مطالب جديدة فرضتها تغيرات اجتماعية واقتصادية جديدة، ودللوا على ذلك بأن حركات الحفاظ على البيئة ـ مثلا ـ التي بدأت كحركات اجتماعية بعيدة عن السياسة بمعناها المباشر قد انتهى الحال بمعظم مؤسسيها وقادتها الى تشكيل أحزاب سياسية أو الانخراط في أحزاب سياسية قائمة، ومع مرور الوقت تم تسكين معظم حركات الدفاع عن البيئة في التيارين الرئيسيين للحياة السياسية المعاصرة، إما في خانة اليمين وهي حركات قليلة ومحدودة، كما يقول زهران، وإما في خانة اليسار وهي أغلب الحركات المدافعة عن البيئة.
مصر الجديدة فوق صفيح ساخن
أما عن الحالة المصرية التي يرصدها فريد زهران في عقدي الثمانينيات والتسعينيات على مستوى الحركات الاجتماعية، فيؤكد أنها تسير ـ حسب عنوان فيلم عادل إمام ـ على صفيح ساخن ـ حيث يقول منذ بداية هذا الفصل ان مصر شهدت في هذين العقدين تراجعا ملحوظا للحياة السياسية، وانحسر بشكل واضح نفوذ الأحزاب والقوى السياسية ـ باستثناء التيار الإسلامي ـ نتيجة عدة عوامل أبرزها بالطبع ـ حسب زهران ـ الاستبداد السياسي الذي وصل ذروته في مواجهة القوى اليسارية في السبعينيات وأوائل الثمانينيات.
ويشير زهران الى ان النقابات العمالية والمهنية هي الأخرى لاقت مصيرا مؤسفا منذ تم التعامل معها منذ ثورة يوليو باعتبارها زوائد للدولة، كذلك يرى أن المنظمات غير الحكومية الحقوقية التي ظهرت ونشطت داخل النخب واستقطبت بعض الكوادر اليسارية والناصرية من جيل السبعينيات قد عملت في ظل قوانين معادية، ويقول: إنه رغم ما أحدثته هذه المنظمات من بعض الحراك في الحياة العامة، وما طرحته من آراء ومواقف بخصوص الضرورات المفرطة والتعديل الدستوري والإصلاح السياسي، فإن عملها تحت الحصار الأمني الحكومي من ناحية، وما اصابها من انقسامات وعزلة عن بعض التيارات الرئيسية في المجتمع بسبب قضايا مثل التمويل الأجنبي أو الصراعات الشخصية من ناحية أخرى، قد أدى الى عزلها وانحسار جميع أنشطتها تقريبا داخل مقارها أو داخل الفنادق.
ويرى فريد زهران أن قوى الإسلام السياسية ـ من ناحية أخرى ـ دخلت في تحالفات خفية مع الدولة أو مع أجهزتها الأمنية في إطار حشد وتعبئة وإرسال الآلاف من الشباب المصري للجهاد والاستشهاد في أفغانستان تحت مظلة ورعاية المخابرات المركزية الأمريكية هناك، والتي كانت تنسق وتقود الحرب في مواجهة الاتحاد السوفييتي في نهاية ما عرف بعد ذلك بالحرب الباردة.
ويؤكد فريد زهران ان بداية الانطلاق الحقيقي للحركات الاجتماعية الجديدة في مصر تزامن مع مشاعر التضامن مع الشعب الفلسطيني والاستنفار ضد الخطر الخارجي، ويقول: إنه حتى عند ظهور حركة كفاية بدا واضحا من خلال بيانها التأسيسي أن الاحتلال الأمريكي للعراق والممارسات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ومشروع الشرق الأوسط الكبير هي الدوافع الرئيسية لمولد الحركة.
ويرصد فريد زهران تطور ونشأة بعض أهم الحركات الاجتماعية وعلى رأسها اللجنة الشعبية المصرية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني التي تأسست في الثالث عشر من تشرين الأول (أكتوبر) 2000 بعد أن اقتحم شارون حرم المسجد الاقصى في 28 ايلول (سبتمبر) من العام نفسه، ويقول زهران: كان من الأمور اللافتة لنظر كل المراقبين ان البيان الذي أعلن تأسيس اللجنة لم يزد على بضعة سطور، ولم تستغرق كتابته سوى بضع دقائق، غير أن الأمر كان أكثر عملية فيما يبدو من البيانات الجافة التي يتحدث عنها زهران والتي لا يقرأها سوى كتابها، ويرصد الكاتب الايجابية في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني ويشير إلى حادثة طريفة تؤكد التفاف المصريين حول النضال الفلسطيني فيقول: في احدى المرات قدمت فلاحة بسيطة للزملاء ‘بطة’ وعبثا حاول الزملاء أن يشرحوا لها أن توصيل البطة للفلسطينيين ليس ممكنا، وكان من الممكن أن تعتبر هذه الفلاحة المحبة فعلا للشعب الفلسطيني، والراغبة فعلا في دعمه ومناصرته بالفعل لا بالكلام، والتي لا تملك شيئا آخر يمكن أن تقدمه إلا هذه البطة التي قد تكون كل ما تملك، رفض الزملاء تعاليا منهم أو حرمانا لها من أن تقدم ما يمكن لها أن تقدمه، فدفع ذلك الزملاء لقبول البطة، فشجع ذلك اربعمئة فلاحة أخرى للتبرع بالبط، وهنا توجه الجميع مع أهالي القرية الى أسواق المدينة وشرحوا الأمر عبر الميكروفون للجمهور والتجار الذي احتشدوا وبيع البط في مزاد بمبلغ 12 ألف جنيه بأكثر من قيمته وتم شراء دقيق بالمبلغ في اللحظة نفسها وبسعر ارخص من سعر السوق.
كفاية والحملة الشعبية وتراجع الشعار
من ناحية أخرى يتابع المؤلف فريد زهران نشأة الحركة المصرية من أجل التغيير ‘كفاية’ التي انطلقت بشعارها في ايلول (سبتمبر) 2004 وذلك عقب طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة لإصلاح المنطقة، وهو المشروع الذي استنفر ـ حسب زهران ـ دولا وأفرادا وجماعات، لذلك كان القوام الرئيسي للحركة أقرب ما يكون الى ائتلاف سياسي واسع، وينتمي معظم قادتها الى أبناء جيل السبعينيات.
ويستعرض زهران أهم الأسماء التي شاركت في التأسيس والتي تشكلت من حوالي ثلاثمئة شخصية سياسية ينتمون إلى أغلب ألوان الطيف السياسي في مصر، وينتمون الى جميع الأجيال، كما يرى زهران أن ما أعطى الحركة تميزها أن اهتمامها كان منصبا على الشأن الداخلي والإصلاح السياسي مع مواجهة الاستبداد الذي يحتكر السلطة ولا يسمح بتداولها، رغم أنها لم تهمل الشأن الخارجي.
أما السبب الثاني الذي يراه زهران مميزا للحركة فكان تصديها المباشر لفكرة احتكار الحزب الحاكم للسلطة، والمناداة بتداولها ويرى أن شعار نجاح كفاية ارتبط بجملة ‘لا للتجديد لا للتوريث’، غير أن زهران يرى أن كثيرا من التراجع اعترى دور كفاية لأسباب مختلفة وينهي حديثه بأنها إما أن تنسحب في هدوء بانتهاء مهمتها مثلما فعلت اللجنة الشعبية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، وإما أن تختار الاستمرار مع تحول مهامها ووظيفتها.
أما الحملة الشعبية من أجل التغيير ‘الحرية الآن’ فقد تأسست في نفس فترة تأسيس حركة كفاية وسعت ـ حسب زهران ـ منذ تأسيسها الى تحقيق نفس أهداف حركة كفاية من حيث المطالبة بالإصلاح السياسي والتركيز على مسألة اختيار شخص رئيس الجمهورية، ويرى زهران ان الحملة مرت بمرحلتين الأولى ضمها بعض التيارات الى جوار المستقلين مثل الإخوان والحزب الشيوعي المصري والتجمع والغد ومنظمــــات غير حكـــومية مثل حركة هشام مبارك، والمرحلة الثانية أن الحركة أعلنت قبــول الأفراد فقط وذلك لإنهاء التعاون مع الإخوان المسلمين، ويرى زهران ان الحملة الشعبية تميزت بأن عددا كبيرا من قياداتها كانوا من بين النشطاء الذين اسسوا وقادوا لجنة دعم الشعب الفلسطيني، وأنها تحولت وكأنها ائتلاف يساري على عكس حركة كفاية، والسمة الثالثة كانت في الشعار ‘لا للتوريث لا للتجديد لا لحكم العسكر’ ويقول فريد زهران أن ذلك تم تفسيره على أن الحملة قد رفعت هذا الشعار على خلفية بعض الأقاويل التي ترددت حول تأييد عدد من قادة ‘كفاية’ لفكرة ترى أنه من الأفضل لمصر أن تحكمها شخصية عسكرية بدلا من سيناريو توريث الحكم لجمال مبارك.
القدس العربي