صفحات العالم

شتم الرئيس

ساطع نور الدين
كان دوي الشتيمة في عواصم العالم اشد بكثير من وقعها في مبنى الكونغرس الاميركي في واشنطن، في حدث نادر لم يواجهه اي من الرؤساء الاميركيين، منذ عقود طويلة، وله مدلول خاص لان لاميركا اول رئيس اسود ساهم انتخابه في استقطاب لم يسبق له مثيل بين الأكثرية والأقليات الاميركية، وفي انتاج واحدة من اسوأ ظواهر اليمين الاميركي المتطرف.
لم تأت الشتيمة من فراغ ولا من لحظة انفعال عابرة. وجهها العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي جو ويلسون، وهو عقيد سابق في الجيش، وممثل حالي عن ولاية كارولينا الجنوبية، الى الرئيس باراك اوباما عندما كان يلقي قبل يومين خطابه الحاسم امام الكونغرس بمجلسيه، حول مشروعه للرعاية الصحية، الذي وصفه بأن كلفته لا تعادل كلفة حربي العراق وافغانستان، والذي قال إن الكثير من الأكاذيب روّجت حوله من قبل شركات التأمين والمؤسسات الطبية الخاصة، بينها انه يهدف الى توفير ضمان صحي للمهاجرين غير الشرعيين.
هنا فاجأ ويلسون اعضاء الكونغرس بمخاطبة أوباما بأعلى صوته قائلاً: «انت تكذب». انزعج كثيرون، من الديموقراطيين والجمهوريين، ما اضطر النائب الى اصدار بيان اعتذار قبله البيت الأبيض مع انه لا يتضمن تراجعاً عن الاتهام.. الذي ساهم في مدّ حملته الانتخابية لإعادة الفوز بمقعد الولاية في الكونغرس في العام 2010، بتبرعات بلغت قيمتها 700 الف دولار في خلال ساعات فقط، من قبل انصاره او بالأحرى من قبل خصوم الرئيس الأسود الذين باتوا أشد توتراً وعنفاً.
ومثلما حلّقت شعبية ذلك النائب الجمهوري المغمور بعدما شتم الرئيس علناً وفي داخل قاعة الكونغرس بالذات، ارتفعت في المقابل شعبية أوباما في اوساط الديموقراطيين، وتعمق الاستقطاب أكثر من اي وقت مضى في المجتمع الاميركي حول مشروع الرعاية الصحية، وضمناً حول اول رئيس اسود اختارته المؤسسة الديموقراطية لكي يوقف حروب اميركا ومغامراتها الخارجية ويعنى بشؤونها الداخلية التي تشهد تدهوراً على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية..
مشروع الرعاية الصحية هو جوهر برنامج الديموقراطيين وعنوان حملتهم السياسية، ووصية راحلهم الكبير تيد كينيدي، وهو أيضاً رهان اوباما ومحور رئاسته. اذا سقط المشروع في الكونغرس، فإن السنوات الثلاث المقبلة من ولايته الرئاسية ستكون شاقة جداً، بحيث يمكن أن يتحول تدريجياً الى رئيس صوري لا يحكم، ولا يحظى بتقدير أحد لا في الداخل ولا طبعاً في الخارج، ولا يستطيع ان يحلم باعادة انتخابه في خريف العام 2012.
ما جرى بالأمس في الكونغرس، مؤشر جدي على ذلك الانقسام الداخلي الاميركي، الذي لا يمكن لأحد في الخارج أن يقرأه باعتباره فقط خلافاً في الاجتهادات حول نظام الرعاية الصحية للأميركيين، بين حزبيين تحركهم الانتهازية والمصالح الضيقة، وتدفع بعضهم الى اهانة الرئيس على هذا النحو: ثمة اميركا مختلفة تظهر على المسرح الدولي الذي تزعمته على مدى العقود الماضية، وما زالت تقود حروبه غير المنتهية، وتتسبب بأزماته غير المكتملة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى