سورية لا تحب «الندية»
داود الشريان
من يتأمل تعليقات المعارضة اللبنانية على قرار اعتذار سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة، سيدرك انها لم تعترف بنتائج الانتخابات النيابية، وتسعى الى فرض إرادتها على البلد بالقوة، فصهر الجنرال عون الوزير جبران باسيل، اعتبر رأي الحريري «شروطاً إخضاعية»، وتحدث عن كسرها، ووزير العمل عن «حزب الله» محمد فنيش، قال ان عدم تحقيق مطالب المعارضة تجاوز غير مقبول.
تصريحات المعارضة أشارت بوضوح الى شعور متنامٍ بالقوة، وعدم اكتراث بتوجهات الشعب اللبناني ورغباته، وأكدت ان التأثير على الساحة السياسية لا علاقة له بالديموقراطية وحجم التصويت وعدد المقاعد، وانما بقوة السلاح، والاحتماء بالخارج، وتكييف سياسة البلد لمصالح الدول التي تحمي ظهر ما يسمى «المعارضة»، فضلاً عن ان النتيجة التي وصل اليها سعد الحريري كشفت ان موقفه السابق على طرحه التشكيلة الحكومية، حين أكد أن سلاح «حزب الله» وقضية المقاومة لن يكونا مطروحين لنقاش الحكومة وقراراتها، إنما كان تنازلاً متسرعاً وفادحاً.
قبل البدء في تشكيل الحكومة راهن الجميع على ان سورية ستتيح المجال لتسهيل مهمة الحريري، استناداً الى أخبار روجت لها وسائل اعلام محسوبة على دمشق، عن تفاهم سعودي – سوري، والنية في عقد مصالحة بين الحريري والرئيس بشار الأسد. وكانت التصريحات السورية تعزز هذا الاعتقاد، لكن الذي حدث ان دمشق تخلت عن تعزيز أجواء التفاؤل وتراجعت عن تسهيل مهمة الحريري، وأعطت الضوء الأخضر لحلفائها على الساحة اللبنانية لعرقلة تشكيل الحكومة، وخلق ظروف تسمح بتحقيق خطوات تلغي نتائج الانتخابات، وتعيد الأمور الى منطق القوة.
ما الذي دفع دمشق الى هذا التشدد؟
لا شك في ان سورية وعدت نفسها بعودة قوية الى لبنان، لكنها اكتشفت ان امنياتها لم تتحقق، وان عودتها الجديدة تتطلب ضمانات لا تستطيع تلبيتها، وتقوم على مبدأ المكافأة، وترتبط بمدى تغير موقف السوريين، وسلوكهم السياسي تجاه الغالبية في لبنان.
سورية تريد ان تعود الى حكم لبنان وليس التبادل التجاري، والتعامل الندي معه، ولهذا عطلت تشكيل الحكومة، بالتالي يمكن القول ان شكل الحكومة اللبنانية المقبلة مقياس حقيقي لمستوى قوة سورية ونوعها على الساحة اللبنانية.
الحياة