الحريري أطلق النار على محاولات ابتزازه أم على.. نفسه؟
سيناريوهات ما بعد الاعتذار: أحلاها مرّ!
عماد مرمل
حصل ما كان متوقعا، وقدم الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة.
حصل ما كان متوقعا، وعاد الجميع إلى المربع الأول، بحيث ذهب 70 يوما من المفاوضات هباء منثورا، ولكن لن يمر وقت طويل حتى يكتشف هؤلاء وأولئك أن لا مفر من التفاهم لتوليد الحكومة، مهما طال الزمن.
حصل ما كان متوقعا، وثبت بالعين المجردة أن المأزق هو نتاج أزمة نظام، لا أزمة حكومة، وأن محاولة التحايل على هذا الواقع أو تجاهله لن
تفيد.
حصل ما كان متوقعا، وأثبت اللبنانيون عجزهم عن حل أزماتهم بأنفسهم، إما لفقدان الأهلية، وإما للاستسلام أمام رغبات الخارج المتضاربة، بينما كانت الحكومات تُشكل بسهولة أكبر، ووقت أقصر، عندما كان هناك ضابط إيقاع واحد يتولى تنظيم الخلافات وإدارتها.
حصل ما كان متوقعا، وتلاه فورا الاختلاف في القراءة: فريق الأكثرية يدافع عن خطوة الحريري ويعتبرها رد فعل طبيعيا على سلوك المعارضة خلال 70 يوما من المفاوضات الصعبة ومحاولتها ابتزازه، محملا إياها مسؤولية تمديد الفراغ المفتوح على تداعيات مختلفة، بينما ترى مصادر في المعارضة أن الحريري أطلق النار على نفسه، لأنه فرّط بفرصة ذهبية ليكون زعيما وطنيا، قوامها رصيد والده السياسي وأكثرية فاز بها في الانتخابات، وتغطية سورية ـ سعودية لتكليفه، وتنازل من المعارضة عن الثلث الضامن، إلا انه أطاح كل هذه «العوامل المؤاتية»، حتى لا يتراجع عن رفضه لتوزير جبران باسيل ومنح «التيار الحر» وزارة الاتصالات.
والسؤال الكبير الذي يفرض ذاته الآن: ما هي الخطوة التالية؟
تتعدد السيناريوهات التي يتم التداول بها من قبل الأوساط السياسية، في معرض محاولة استشراف معالم المستقبل، ولكن يمكن حصر أوفرها حظا بالآتي:
1ـ عودة الحريري:
نقطة البداية في هذا المسار، تكمن في أن يبدي سعد الحريري رغبته مجددا في ترشيح نفسه إلى رئاسة الحكومة، وفي هذه الحال فإن المشاورات الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية ستفضي إلى معاودة تكليفه، بعدما يكون قد سمّاه نواب الأكثرية وكتلة التنمية والتحرير، بينما من المتوقع أن تُحجب عنه أصوات حزب الله وتكتل التغيير والإصلاح، ما يعني أنه سينال مجددا العدد ذاته من الأصوات التي نالها بعد تسميته في المرة الأولى، مع الإشارة إلى أن هناك في التيار الوطني الحر من يقول إن الحريري يجب ألا يُكلف مرة ثانية بتأليف الحكومة، لأنه رسب في المحاولة السابقة، على قاعدة انه إذا كان لا يصح توزير الراسبين في الانتخابات النيابية، فمن باب أولى عدم تكليف الراسبين في مشاورات تشكيل الحكومة.
بعد تسمية الحريري، إذا تمت، تبرز خمسة احتمالات هي:
ـ أن يحافظ الرئيس المكلف على صيغة 15ـ10ـ5 لتشكيل الحكومة باعتبار أنها تحظى بالحد الأدنى المقبول من التغطية الإقليمية ولا بديل واقعيا عنها، وهذا يعني استئناف الرئيس المكلف للمشاورات من حيث توقفت عند اعتذاره وبالتالي عودة كل طرف إلى إنتاج مطالبه ذاتها وبالتالي الدوران مجددا في الحلقة المفرغة، وهذا مؤداه أن الحريري سيكتشف سريعا انه ما زال يقف في مكانه إن لم يمتلك جرأة التنازل عن بعض لاءاته، إلا إذا كان يراهن على أن يضخ التكليف الثاني دينامية جديدة، لعلها تغير شيئا في المعطيات الراهنة.
ـ أن يتملص الحريري، تدعمه الأكثرية، من صيغة 15+10+5 التي يعتبر أنها لا تعكس أصلا مقتضيات فوز الأكثرية في الانتخابات، إضافة إلى أنها لا تحظى بتأييد واشنطن والقاهرة، ومن ثم يلجأ إلى تعويم معادلة 16+10+4، التي عرضها الحريري منذ البداية على أساس أنها تتناسب مع نتائج الانتخابات وتراعي ما أفرزته من توازنات وأحجام. وهذا سيقود المعارضة حكما إلى إعادة التمسك بالنسبية أو بالثلث الضامن بالحد الأدنى، وهذه المرة ليس من باب المناورة أو تحسين الشروط التفاوضية بل كطرح جدي. ولكن مشكلة الحريري في هذه الحال لن تكون مع المعارضة فقط، بل ستشمل ايضا رئيس الجمهورية الذي لن يوافق، مرة أخرى، على أي معادلة لا تحترم شروط الوفاق الوطني، علما انه شخصيا كان من معارضي معادلة 16+10+4 لأنها تنطوي على إجحاف بحق الرئاسة.
ـ أن يبادر الحريري إلى وضع تشكيلة من لون واحد تضم فقط قوى الأكثرية، مطعمة بحصة لرئيس الجمهورية، على أن تبقى الأقلية في صفوف المعارضة. ونجاح هذا الخيار يتطلب أن يتم اعتماده بالتوافق مع الأقلية وسليمان، وإلا فإنه من المتعذر أن تمر مثل هذه الحكومة إذا رفضتها المعارضة لان رئيس الجمهورية لن يوقع في مثل هذه الحال على مرسوم تشكيلها، كونه لن يقبل بأن يوضع خلف متراس في مواجهة قوى الثامن من آذار حرصا على حماية موقعه التوافقي الذي جاء منه إلى رئاسة الجمهورية، وهو إذا كان لم يوقع على التشكيلة الأخيرة التي رفعها إليه الحريري، برغم أنها مقبولة في بعض جوانبها، فكيف إذا كانت من لون واحد. ويضاف إلى ذلك، موقف النائب وليد جنبلاط الذي لن يقبل، نهائياً، بالسير في حكومة أكثرية انسجاما مع التعديلات الجوهرية التي طرأت على تموضعه السياسي منذ 2 آب الماضي.
ـ أن يقترح الحريري تشكيل حكومة تكنوقراط، وهذا أمر دونه صعوبات عدة، أهمها أن مثل هذا الطرح لم يعد يتلاءم مع فلسفة اتفاق الطائف الذي جعل السلطة تتمحور في مجلس الوزراء وحوّل الوزير إلى وزير سياسي بامتياز يكون شريكا في صناعة القرار، ما يفترض أن تكون الطوائف والقوى الوازنة ممثلة مباشرة وبهوياتها السياسية، في السلطة التنفيذية، عدا عن أن حكومة التكنوقراط ستتسم بالبطء الشديد وستسير بسرعة السلحفاة لأنها لن تستطيع اتحاذ أي قرار هام قبل طهوه في مطابخ الأقطاب.
ـ أن يشكل الحريري حكومة أقطاب مصغرة، وهذه تتطلب حسابات دقيقة ومعايير خاصة، من خارج المقاييس والقواعد المعتمدة حاليا، عدا عن أنها تستوجب حوارا وتوافقا بين الأكثرية والمعارضة.
2 ـ السيناريو الآخر: تكليف شخصية أخرى غير الحريري.
في المبدأ فإن تحول اتجاه الريح نحو شخصية أخرى في الأكثرية غير الحريري ليس قرارا محليا فقط، وأي تطور من هذا النوع لن يكون معزولا عن المناخ الإقليمي والدولي، ومدى ملاءمته لمثل هذا الخيار. ذلك أن تسمية السنيورة، على سبيل المثال، ستقرأها المعارضة بمثابة إشارة إلى وقف العمل بالتفاهم السوري ـ السعودي حول مبادئ التعاطي مع مسألة تشكيل الحكومة، وإلى نية محور داخلي ـ خارجي في التصعيد ضد المعارضة وسوريا لما يمثله السنيورة بالنسبة إليهما من «رمز استفزازي». يعني ذلك أن الصراع الخارجي فوق لبنان وعليه سيستعيد حدته وأن السنيورة الذي سيرشحه فقط نواب الأكثرية، تحت مظلة أميركية ـ مصرية، سيكون العنوان المحلي الأكثر بلاغة لمنطق المواجهة الداخلية والخارجية.
وقد كان لافتا للانتباه في هذا الإطار الخطاب غير المألوف الذي ألقاه السنيورة قبل أيام، خلال إفطار دار الأيتام الإسلامية، والذي وجدت أوساط سياسية انه يعبر عن رغبة صاحبه في إبداء جهوزيته لأي «مهمة كوماندوس» جديدة يمكن أن يكلف بها، لما تضمنه هذا الخطاب من شد للعصب السني وأدبيات غير معتادة في قاموس رؤساء الحكومات الذين كانوا يحرصون دائما على التصرف باعتبارهم يمثلون كل لبنان وليس طائفة رئيس الحكومة، ولكن السنيورة فضل أن يتكلم وكأنه يلقي خطابا في دورة تعبوية.
وفي حال جرى تكليف السنيورة بتشكيل الحكومة فهو سيواجه مأزق الحريري مضاعفا، أولا لان المعارضة لن تقدم إليه تنازلات لم تقدمها أصلا إلى الحريري، وثانيا لأن السنيورة بدوره لن يكون قادرا على تخفيض السقف الذي بلغه الحريري في ثوابته، حتى لا يبدو مفرّطا بصلاحيات رئيس الحكومة وبنتائج الانتخابات النيابية، كما أن رئيس الجمهورية لن يتساهل مع أي صيغة وزارية لا تتوافر فيها الشروط الميثاقية.
يبقى انه في خلاصة كل السيناريوهات، يمكن الاستتاج أن أسوأ حكومة وإنما متوافق عليها تظل أجدى للبنان وسلمه الأهلي من أفضل حكومة، ولكن يختلف حولها اللبنانيون.
السفير