صفحات العالمما يحدث في لبنان

لبنان: بطالة السياسة ومشاغل السياسيين

حسام عيتاني
لا يعلو مستوى الإقناع في الذرائع التي قدمتها الأقلية النيابية اللبنانية لرفضها المساهمة في تسوية الأزمة السياسية وتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة، عن نظيره في الحجج التي ساقها وليد جنبلاط لتبرير انعطافته قبل شهرين.
وضعت المعارضة في مقدمة حججها لإحباطها تأليف حكومة ائتلاف عريض، حقها في تعيين صهر العماد ميشال عون وزيراً، قبل ان تغير موقفها هذا بحقها الذي لا يقل وجاهة، بتسمية وزرائها بنفسها، وليس ضمن لائحة يقترحها رئيس الوزراء المكلف. وعلى رغم تضمن الاقتراح اسم ابن شقيقة العماد ذاته، الا ان الرجل يفضل، على ما يبدو، الصهر على ابن الإخت. لعل السبب يكمن في اقتناع الجنرال بفطنة الأمثال الشعبية التي تقول ان «الصهر سند الظهر».
المعارضة فضلت، على الأغلب الأعم، السند على سواه. وسيان هنا أكان الأول رسب في امتحان الانتخابات التشريعية او ان يكون الثاني نجح بأصوات الحليف القوي في المتن الجنوبي. الصهر مرفوض من الأكثرية النيابية الموكل اليها تشكيل الحكومة لأنه يعمل على وقف سرقة المال العام من وزارة الاتصالات التي حمل حقيبتها منذ عام ونيف، كما يعزى اليه فضل لا يُنكر في اظهار الهمة وكشف الغمة عن غوامض مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان. والتوطين فكرة يصعب العثور على تجلياتها خارج تلافيف عقول بعض المستفيدين من اثارة المسألة لغايات تعنيهم وحدهم في اكثر الأحيان.
تساوي ذرائع الرفض والتمنع، المستمدة من ادبيات عائلية اصيلة، في ابتعادها عن الدوافع الواقعية، ما استحضره جنبلاط من ذكر لفلسطين والعروبة والعودة الى قيم اليسار، كأسباب (امتنع عن تكرارها في مناسبات لاحقة) لخروجه، او نصف خروجه، من تحالف قوى 14 آذار (مارس). وكان جنبلاط يعلم، قبل غيره، ان فلسطين والعروبة واليسار، اسماء لم تعد تشير الى المسميات التي عهدها قبل اكثر من ثلاثين عاماً. وهكذا حال المعارضة مع الصهر ومع الحقائب السيادية التي طالبت بها من دون الحاح وإصرار. وتساوي من طرف آخر في قلة صدقيتها الحجة التي تقول ان الأكثرية لا يمكنها الموافقة على تعيين وزير راسب في الانتخابات النيابية.
فمزاعم الأقلية، كما مساعي الأكثرية التي استغرق اكتشافها صعوبة التأليف 73 يوماً (وهي مدة تكفي لقطع نصف المسافة الى المريخ)، مجرد ستار رقيق للافتقار الى التفاهم الإقليمي والعربي على تسيير احوال الحكم في لبنان. وحديث التفاهم والتقارب والتباعد بين الدول الحائزة على انواط العربة اللبنانية والوجهة لجيادها وفرسانها، هو حديث انقسامات وصراعات لا اول لها ولا آخر، وهو خصوصاً حديث عما لا علاج له في ظل تراجع المصالح البينية المتبادلة وارتباط هذه بتحالفات تتجاوز الأطراف العربية المباشرة. قاذفو الاتهامات اللبنانيين بتعامل «الفريق الآخر» مع الخارج وانتظار اوامره ونواهيه، يجهلون، على ما يبدو، ان الخارج ذاته يعيد تشكيل سياساته وفق معطيات لا تظهر كثيراً في الطيف اللبناني. فتشاغل الإدارة الأميركية بالأزمة الاقتصادية وبمحاولة دفع مشروع اصلاح النظام الصحي وتراجع زخم ضغطها على اسرائيل لوقف الاستيطان في الضفة الغربية، لا يجد في قاموس السياسيين اللبنانيين سوى فرصة للمعارضة ترفع فيها شروطها في وجه الأكثرية التي تزداد ضعفاً على ضعف. اما هذه فترى في تزايد العزلة الإيرانية وتصاعد التهديدات بتشديد العقوبات على طهران، سبباً لتشبث المعارضة وتصلبها خشية افلاتها عتلة من عتلات الإمساك بالوضع اللبناني عشية استحقاقات سورية وإيرانية.
لكن هذا كله يقود الى استئناف السياسة اللبنانية سيرتها في البطالة في انتظار حصول «امر ما» يغير موازين القوى العربية واللبنانية، تتيح للصهر ان يعود صهراً وللحقائب السيادية ان تظل مجرد حقائب في حكومة دولة صغيرة تعجز منذ اعوام عن تشكيل اجماعات وطنية على قضايا رئيسة تعني مواطنيها. وبطالة تصيب السياسة لا تعني بحال نقصاً في أعمال السياسيين ومشاغلهم وأقوالهم ومهاتراتهم.
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى