صفحات العالم

مشروع المالكي

محمد ابرهيم
الاتهامات، المستندة الى اعترافات، والتي وجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لسوريا، جزء من مشروع اكبر لدى المالكي.
فمنذ الفترة التمهيدية للانتخابات البلدية الاخيرة، التي تفوّق فيها المالكي على حلفائه السابقين في الائتلاف الشيعي، وهو يسعى لإبراز وجود مشروعين لمستقبل العراق: المشروع المركزي، والمشروع الفيديرالي.
الفيديرالية منسوبة الى ما بقي من الائتلاف الشيعي بعد خروجه منه، والمركزية هي المشروع الجديد الذي يسعى لتزعمه.
المركزية التي يدافع عنها المالكي، اشتبكت اولا مع الكيان الكردي في الشمال، وذكرت بارزاني – طالباني، بـأن هناك خياراً آخر غير التقاسم الشيعي – الكردي للعراق. هذا الخيار هو العودة الى الاكثرية العربية (السنية – الشيعية) التي تتفاوض باسم العراق مع “المشروع الكردي.
والمركزية التي يتبناها المالكي برزت ايضا في النظرة الى توزيع العائدات النفطية، والى الاستثمار النفطي عموما، بما يجعله سياسة وطنية قبل الوصول الى مرحلة “التوازن المناطقي” في الاستفادة من العائدات.
والمركزية ذاتها عبرت عن نفسها بابداء الاستعداد لاعادة النظر في البنود الدستورية التي “تشجع” التكوين الفيديرالي للعراق، والتي أُقرت في مرحلة الانتصار الاميركي – الشيعي على نظام صدام حسين، وذلك في اتجاه العودة أولوية الحكومة المركزية على الاقاليم.
لذلك كان طبيعيا ان يبادر المالكي الى تصعيد النزاع مع سوريا، من الشكاوى المتفرقة والموسمية، الى طرح مشكلة العلاقة بين العراق ومحيطه. فحتى الآن كان من المتعارف ان لهذا المحيط نفوذ وتدخلات وسياسات، تتجاوز سوريا طبعا الى كل الدول المحاذية للعراق.
كان طبيعيا في الفترة الماضية اعتبار ان “تدخل” جار ما للعراق، في “الشؤون العراقية” موجه للاميركي اولا. ساعد على ذلك الانقسامات المذهبية – القومية العراقية، كما ساعد عليه انهيار كل مؤسسات الدولة في اعقاب النصر العسكري الاميركي على صدام حسين.
اليوم يريد المالكي ان يتحدث باسم عراق واحد، مع الجيران، والبداية كانت مع سوريا. والملاحظ هنا بالطبع اختلاف اللهجة، واحيانا الصمت من القوى العراقية الاخرى تجاه معركة المالكي مع سوريا وكأنها شأن حزبي خاص.
لم يتبنّ اي من شركاء المالكي في الحكم نزاعه مع سوريا، مثلما انه لم يقف في وجهه، وما يهمنا هنا هو علاقة هذه المواقف بالتصورين المركزي والفيديرالي لمستقبل العراق. فمن يراه فيديراليا لا يغامر منذ الآن بالاساءة الى علاقات بالمحيط الاقليمي سيحتاجها لاحقا، ومن يراه مركزيا يعتقد ان مواجهة الخارج باسم العراق تزيد حظوظ مشروعه السياسي، انتخابيا اولا، اي في الانتخابات العراقية العامة مطلع السنة المقبلة.
المشكلة الاولى التي يواجهها ربما مشروع المالكي، هو ارتكازه الى تشكيل مذهبي. فالمشروعان المركزي والفيديرالي، شيعيان اولا، ومن ثم يبدأ العمل على كسب قوى “خارجية”.
بهذا المعنى يصبح الاختلاف حول اي مشروع يناسب الشيعة اكثر فيديرالية تحتاط لـ”غدرات الزمان”، فلا تعود الحكومة المركزية لتكون واسطة تهميش واضطهاد لهم، ام مركزية تكرس صيغة سيطرة على العراق كله ولو اقتضى الامر رفع حصة “الآخرين” بما يتجاوز التمثيل المذهبي الذي تعبر عنه الانتخابات العراقية حتى الآن.
صمت القوى السياسية عن المعركة التي يخوضها المالكي مع سوريا اساسها كما الشعبية التي يكتسبها مشروع المركزية بعد سنوات التطاحن العراقي، والذي يأمل المالكي تحويله كتلة برلمانية حاسمة.
يبقى ان تجربة النظام السابق في الوصول الى نظام الاقلية المذهبية القادرة على استتباع البلد بمجمله اتت حصيلة تطورات الدولة الواحدة، منذ انهيار السلطنة العثمانية، اما اليوم فان الوصول الى نتيجة مشابهة، مع الاختلاف المذهبي طبعا، دونه الانطلاق من بلد مفكك، ومحيط اقليمي لن يتخلى بسهولة عن حصص نفوذه.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى