مناورات المالكي: تدهورت علاقاته مع طهران فاتهم دمشق!
هدى الحسيني
على ماذا يراهن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في حملته هذه على سوريا وعلى شخصيات عراقية في الداخل؟
من يستفيد من التصعيد من اتهامات المالكي لسوريا في هذه المرحلة، خصوصاً أن الأميركيين أبلغوه أنهم يعتبرون هذه مشكلة خاصة بين العراق وسوريا وتركوه يتخبط بنتائج اتهاماته، ويلاحظ أن أوروبا غير مهتمة بالأمر إطلاقا.
هناك من يقول إن المالكي لم ينته بعد من انتقامه من كل البعثيين، لكن لماذا اختار هذا التوقيت، هل بسبب قرب الانتخابات العراقية ولشعوره بأنه لن يفوز بها؟
هناك اعتقاد بأن المالكي الذي ظن أنه صار صدام حسين الجديد، بالنسبة إلى سيطرته على الأوضاع الأمنية في العراق، غير عائد إلى الحكم، والبعض يلمح إلى مشكلة بينه وبين إيران أو مع فريق في الحكم في إيران لم يعد مطمئناً إلى طموحات المالكي.
يقول أحد الآراء إن علاقة المالكي بإيران تدهورت، وهو غير قادر على اتهام إيران لأسباب كثيرة تخيفه. فاختار التصويب على حليفتها سوريا، لأن الائتلاف الوطني الجديد، الذي شجعت عليه إيران، يضم أطرافا اشترط المالكي عدم مشاركتها، ومنها بالذات جماعة الصدر وإبراهيم الجعفري المنشق عن حزب الدعوة.
اختار المالكي سوريا لقناعة مترسخة، بأن أجهزتها أو الأوراق التي تملكها، قادرة على القيام بمختلف أنواع العمليات، وطالب الأمم المتحدة بمحكمة دولية لمعرفته حساسية سوريا من مثل هذا الإجراء بعد الإرباك الذي حل بها من جراء المحكمة الدولية لمعرفة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وثقل انتظار ما ستكشفه المحكمة. لكنه باختياره هذا الهدف وفي هذا التوقيت بالذات، ظهر أنه قارئ غير جيد أو غير مستوعب للسياسة الدولية الخارجية، فإذا ما قرأنا العلاقة الأميركية ـ السورية، نستطيع وصفها بالجيدة، لا سيما أن الإدارة الأميركية تستعد لإرسال سفيرها إلى دمشق في نهاية هذا الشهر.
وإذا قرأنا الأوضاع في إيران نجد أن اهتماماتها أبعد من مناورات المالكي، إلا إذا كان هناك فريق إيراني كلفه بملف البعثيين المقيمين في دمشق، بعدما كان كلف عبد العزيز الحكيم قبل وفاته بتوجيه رسالة إلى الرئيس اليمني يعرض فيها عليه التوسط مع الحوثيين لوقف التصعيد، بالإتيان بزعمائهم إلى النجف، مقابل أن يقوم علي عبد الله صالح بطرد الضباط العراقيين البعثيين الذين لجأوا إلى اليمن بعد غزو العراق، وتتهمهم إيران بأنهم يساعدون الجيش النظامي اليمني في مواجهاته مع الحوثيين. الرئيس اليمني رفض العرض. ونقرأ مع استمرار المالكي في اتهاماته، بعدما بدأ مسؤولون عراقيون كانوا شاركوه الاتهامات، بالتراجع، والدعوة إلى الحوار الديبلوماسي مع سوريا، أن المالكي وجد نفسه وحيدا في هذه المواجهة وأنه لم يدرك أبعاد التطورات الإقليمية والدولية والتي ستنعكس على عراق الداخل.
إن الانفجارات التي وقعت في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية، وبالذات الانفجار الضخم الذي هز قلب العاصمة، واستهدف وزاراتها السيادية، دفعت المالكي إلى عدم تكرار الادعاء بأنه صاحب الفضل الأول في استتباب الأمن. فهو كان اختطف الدور الأميركي عندما ادعى أنه ضبط الأمن بقدرته وليس بفضل المساعدة الأميركية، لتأتي، بعد الادعاءات، الانفجارات الضخمة وتكشف ضعف المالكي وعدم قدرته على السيطرة. قد يكون لمس أن الدوافع لتلك التفجيرات سياسية، استهدفت زعزعة شرعية حكومته، إذ بغض النظر عمن يقف وراءها، وجهت ضربة قاسية لمصداقية وثقة الحكومة العراقية التي ظنت أنها سيطرت على الأمن، وقضت على الإرهاب، فجاءت التفجيرات لتكشف هشاشة أجهزتها الأمنية وانغماسها بالفساد والرشاوى. لاحقا تنبه المالكي لذلك وقرر الانتقام بإقالة مدير مركز العمليات في وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف من منصبه.
هل أراد المالكي بهذا التصعيد المستمر ضرب الائتلاف الوطني الجديد واستدراج عطف داخلي وإقليمي ودولي؟ لا يبدو أن هذا التصعيد من مصلحة أميركا، كما أن العرب غير مهتمين به. وقد تكون له إيجابية وحيدة، إذ إن سوريا تريد أن تكسب تعاطف العرب غير الواثقين بتوجهات المالكي، لا سيما السعودية ومصر، فسمحت لأول مرة للزعيم السياسي لـ«حماس»، خالد مشعل بالتوجه إلى القاهرة لبحث ملف المصالحة الفلسطينية.
مشكلة المالكي أنه لا يملك أدلة حول التورط السوري بالتفجيرات يقدمها إلى مجلس الأمن لدفعه لاتخاذ قرار بتشكيل محكمة دولية، ثم إن هناك قضايا عراقية بحجم هذا الانفجار، إن لم تكن أكبر، تشير أصابع الاتهام فيها إلى تورط حكومة المالكي بها، تتعلق بالفساد والنهب والقتل.
عام 2006، صار المالكي رئيسا للحكومة العراقية بعد أن رأت فيه أميركا، كما قال السفير الأميركي لدى العراق آنذاك زلماي خليل زاد، الأكثر استقلالا عن إيران من البقية. وعام 2009 فازت لائحته «دولة القانون» في انتخابات المحافظات وكشفت النتائج عن انخفاض التأييد الشعبي للأحزاب الإسلامية، وعندما بدأ «الائتلاف العراقي الموحد» الاستعداد لإعادة رسم توجهاته وسياساته لانتخابات عام 2010 عرض المالكي شروطه، ومنها أن تكون له نسبة 50% من مقاعد اللائحة، وأن يترأس هو اللائحة كي يعود رئيسا للحكومة في حال فوزها، كما طالب بعدم استبعاد المرشحين غير الشيعة، والبقاء خارج نظام الحصحصة، ومنع حركة الصدر ورئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري من تحمل مسؤوليات رسمية.
رُفضت شروط المالكي، فقرر أن يشكل تحالفا يضم عناصر من «الصحوات» السنية والحزب الكردي الجديد «التغيير». قراره هذا جاء قبل الانفجار الضخم الذي أودى بحياة أكثر من مائة عراقي وجرح أكثر من 600. هذا الانفجار سبب أزمة وتحديا للمالكي قد يؤثران على مستقبله السياسي.
أثناء زيارته الرسمية إلى دمشق وخلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد عرض المالكي قائمة بأسماء 271 بعثيا وطالب سوريا بتسليمهم. على اللائحة اسما محمد يونس الأحمد وسطام فرحان، والأخير وجهت له اتهامات بالقيام بعمليات إرهابية في العراق منذ الغزو عام 2003 ووُضع اسمه على لائحة الإرهابيين المطلوبين من قبل أميركا مع مكافأة لمن يرشد عن مكان وجوده.
وعندما زار رئيس الوزراء السوري ناجي العطري بغداد في 22 نيسان (أبريل) الماضي، سئل عن محمد يونس الأحمد، فرد بأنه لا يعرفه ولم يسمع باسمه سابقا، وأضاف أن أي محاولة لزعزعة الاستقرار في العراق خط أحمر ممنوع تجاوزه. ويُذكر أن انفجارات بغداد الضخمة تزامنت مع زيارة التهنئة التي قام بها الرئيس السوري إلى طهران، ولم يصدر عن دمشق وطهران أي بيان تعزية بالضحايا.
إذا كانت سوريا وراء تلك التفجيرات الضخمة في بغداد، فكيف سمحت إيران ضمنيا بذلك؟
هل إن رفض انضمام المالكي إلى الائتلاف الشيعي الجديد، أثار حفيظة جناح في القيادة الإيرانية وانزعاجه من تكرار المالكي لتبني برنامج يقوم على تحالفات «وطنية» كبديل عن المجلس الإسلامي الأعلى الشيعي الطابع والمدعوم من إيران علنا وكليا، فقرر أن تكون هذه التفجيرات إنذارا للمالكي بألا يشطح كثيرا وبعيدا؟ أما تبني «القاعدة» للتفجيرات فلا يعني حكما أنها وراءها، فالتنظيم كثيرا ما تبنى عمليات إرهابية «تدعم» سمعته.
لقد أصابت التفجيرات هيبة المالكي، إذ سمحت لمناوئيه باتهام حكومته بأنها عاجزة وغير قادرة على مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد العراق.
هو راهن على أن عمار الحكيم لا يملك قيمة والده الدينية والسياسية، وقد يطالب بعض أعضاء المجلس الإسلامي الأعلى بتغييره. لكن إيران ستضع كل ثقلها لدعم الائتلاف الجديد الذي يقوده المجلس الإسلامي الأعلى وهذا قد يؤثر سلباً على علاقة حزب الدعوة الذي يرأسه المالكي بالحرس الثوري الإيراني. لكن المالكي لن يكسب تعاطف عناصر «الصحوات» التي حاربها ورفض توظيفها في أجهزة الشرطة، كما أن صالح المطلق الزعيم السني الذي يرأس «جبهة الحوار الوطني» قال: إذا أراد المالكي من السنّة الانضمام إليه في تحالف وطني عليه أن يحل حزب «الدعوة». ثم إن إيران قد تجد أن المالكي، خصوصا إذا رفض الوساطة الإيرانية وتلك التركية مع سوريا ليصبح واحدا من ضمن المجموعة، قد يدفع بحلفائه السابقين الذين صاروا اليوم في «الائتلاف الوطني الموحد» إلى التوحد ضده في البرلمان، وإسقاط حكومته حتى قبل الانتخابات المقبلة، عندها لن تتوفر لديه كميات من المال ليضمن فوزه وفوز مناصريه، وسيخوض الانتخابات كرئيس وزراء سابق.
في ظل حشده القوات الأمنية على الحدود السورية ـ العراقية، ومع استمرار التصعيد الغامض الأهداف، تعمل حكومة المالكي على سن قانون للرقابة على استعمال الإنترنت، ومنع تداول الكتب بذريعة الأمن القومي. وقد طلب رقباء حكومة المالكي من سعد اسكندر المسؤول عن المكتبة الوطنية والأرشيف فيها، حرق العشرات من الكتب التاريخية القديمة. هو رفض الانصياع للأوامر حتى الآن.
الغزو الذي بدأ بنهب الآثار والمتاحف، وصل مع مؤيديه من المسؤولين العراقيين إلى حرق الكتب، وهو يرغب الآن في زعزعة علاقات العراق العربية.
الشرق الاوسط