زين الشاميصفحات سورية

تشافيز الماهر بالشعارات… نحن الجائعون للحرية

null
زين الشامي
منذ أيام قليلة زارنا الرئيس الفنزويلي «هوغو تشافيز»، وعدا عن لقاءاته الرسمية والاتفاقات الثنائية التي وقعها الوفد المرافق له مع نظرائه في الحكومة السورية، ألقى تشافيز كلمة حماسية في ملعب مدينة السويداء البلدي، جنوب سورية، الذي غصت مدرجاته بالجمهور.
ومن يسمع كلمات الرئيس القادم من أقاصي أميركا اللاتينية في تلك المناسبة لابد سيعتقد أنه يعيش في حلم من الماضي، خشبته إحدى العواصم العربية وزمانه هو ستينات القرن الماضي، حين كان شعبنا العربي يصحو على الشعارات الكبيرة الطنانة وينام عليها، فقد أطرب تشافيز جمهورنا بالمزيد منها لدرجة أنه سبق جمال عبدالناصر وصدام حسين والعقيد معمر القذافي صاحب «الكتاب الأخضر» أو النظرية العالمية الثالثة، وغيرهم من الزعماء الذين لم يبخلوا على شعوبهم المسكينة بالشعارات، وبكل ما أنتجته قواميس الكلام عن العنتريات والصراع مع طواحين الهواء.
لكن لماذا ألقى الزعيم البوليفاري كلمته اللاهبة الطنانة على أرض ملعب السويداء، وليس في ملعب العباسيين في دمشق، أو «ستاد السابع من نيسان» في مدينة حلب، أو غيرها من المحافظات السورية؟
صديق من السويداء أخبرني أن ذلك يعود للعلاقة الخاصة التي تربط أهل السويداء بفنزويلا، فقلت له مازحاً، وهل هناك «دروز» في فنزويلا، أو أن الزعيم تشافيز من أصول «درزية» فأجاب: «لا يا صديقي، القصة وما فيها أن هناك أكثر من 200 ألف مواطن سوري من السويداء ومن محافظات أخرى يعملون في فنزويلا منذ أزمان بعيدة وإلى اليوم، بحيث لا توجد عائلة دون أن يكون لها أحد ما هناك، ولا تخلو قرية، أو مدينة، أو حتى حارة صغيرة في محافظتنا من مهاجر إلى فنزويلا».
وبعد أن أدركت سر العلاقة التي تربط هذه المحافظة السورية مع تلك الدولة اللاتينية، أدركت سر هذا الحب وهذه العلاقة بين مواطني محافظة السويداء ودولة فنزويلا ورئيسها تشافيز.
لكن رغم ذلك، فإن ما فات الرئيس الفنزويلي أنه جاء في زمن ملّ فيه السوريون من الشعارات الطنانة والرنانة، وكبروا وأدركوا وتعلموا أن الشعارات وحدها لا تطعم خبزاً، وتعلموا أن من يبع الشعارات لا يملك من بضاعة سواها، وغالباً ما كان مصير أبناء دولة الشعارات مصيراً محبطاً مخيباً بائساً، فأبناء دول الشعارات غالباً ما كانوا جوعى يقفون أرتالاً على أبواب المؤسسات الاستهلاكية، وغالباً ما كانوا سجناء في أقبية مظلمة، وكتب عليهم أن يسمعوا ويصفقوا طول عمرهم للكلمات والخطب، ولصاحب الكلمات والخطب، وممنوع عليهم أن يشغلوا عقولهم، أو يعبروا عن عواطفهم إلا تلك العواطف التي يفترض أن تكون جياشة تجاه الزعيم والحاكم الملهم والتاريخي، أو «القائد الضرورة» مثل الذي كان عند أشقائنا في العراق.
وبالمناسبة فإن «تشافيز» الذي ندد بالإمبريالية من على مدرجات ملعب السويداء هو نفسه رئيس الدولة التي تصدر أكثر من 70 في المئة من نفطها إلى الولايات المتحدة معقل الإمبريالية العالمية، أو «الشيطان الأكبر» كما يحلو لزعماء الثورة الإسلامية في إيران أن يسموا الولايات المتحدة.
أيضا فإن تشافيز، الذي وقّع وفده المرافق مع نظرائهم السوريين العديد من الاتفاقيات كان أبرزها الغاء العمل بتأشيرة «الفيزا» بين البلدين، هو نفسه رئيس الدولة التي يعيش الكثير من ابنائها في معدلات مرتفعة من البطالة، وينتشر الفقر في عاصمتها كاركاس، وصار لديها منظمات شعبية على طريقة دولة الحزب الواحد، وهي منظمات تشبه المعامل والمصانع والمداجن، لكن الفرق بينها وبين المعامل الحقيقة أنها لا تنتج بضائع مفيدة بل مجرد كلمات وشعارات عن القائد الذي يتصدى للإمبريالية.
ربما كان السر في «الاستقبال الشعبي الكبير» الذي لقيه تشافيز في السويداء، هو تطلع أبناء هذه المدينة، مثلهم مثل عموم السوريين، إلى مجرد رحلة طويلة، أو هجرة دائمة إلى تلك البلاد البعيدة للعمل في بئر نفط، أو مصفاة بترول، أو ربما خلف عربة تحمل بضائع تجول في أزقة كاراكاس. ولقد أعطاهم الرئيس تشافيز الأمل الكبير، بالتعاون مع قادتنا الذين يعشقون الشعارات أيضاً، خاصة بعد أن اتفق كلاهما على الغاء العمل بتأشيرة الفيزا، بحيث صار ممكناً السفر مباشرة من سورية إلى فنزويلا، أو إلى أي حقل بترول فيها، أو أي زقاق، لكن مع فرق واحد أن السوري سيسمع هناك شعارات طنانة باللغة الإسبانية بدلاً من العربية.
شكراً لحكومتنا وقادتنا الذين يتقنون فن التخفيف من معدلات الفقر والبطالة من خلال تسهيل «تطفيش» السوريين إلى الخارج للعمل هناك وربما الموت بعيداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى