الإخوان المسلمون ودمشق.. رسائل متتالية
علي بدوان
في تطور جديد تأتى استكمالاً للتحولات المتتالية في علاقة تنظيم حزب الإخوان المسلمين السوري مع دمشق، أعلن وصادق مجلس شورى الجماعة في بيان أصدره أوائل آب/أغسطس 2009 في ختام أعمال دورته العادية الرابعة، على قرار قيادته بتعليق الأنشطة المعارضة للنظام في سوريا والتي كان يقودها من الخارج، كمبادرة وطنية «لإعطاء فرصة حقيقية وصادقة لكسر دائرة الشر المحيطة بالشعب السوري منذ أكثر من 40 عاما».
ومن اجل الإسهام برد «الحرب المفتوحة بكل أبعادها على أمة العروبة والإسلام، التي لم تكن الحرب الإسرائيلية على غزة إلا إحدى حلقاتها» على حد تعبير البيان الصادر عن أعمال مجلس الشورى.
وكان المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا الشيخ علي صدر الدين البيانوني قد صرح في غير مناسبة «أن جماعة الإخوان المسلمين في سوريا تتجه نحو إنشاء حزباً سياسياً جديداً في الداخل عندما تسنح الفرصة بذلك، يضم كل فئات المجتمع السوري، من علمانيين ومحافظين ويساريين وليبراليين، ومن كل تنوعاتهم». ويلحظ بأن الاقتراح إياه يعتبر (خليطاً غير مفهوم) ولاينسكب بأي قالب كان، فهو بشكل أو بأخر عملية مصطنعة، ولا تعني بالضرورة تطور جدي وحاسم في المفاهيم السياسية.
وعلى الأرجح فان المرتجى من الاقتراح عندما أعلن في حينها، كان كسب أكبر عدد من المعارضين العلمانيين، كحال عبد الحليم خدام وآخرين، وهذا ما ظهر فعلاً العام قبل الماضي في ما سمي جبهة الخلاص المؤلفة من تيار الإخوان المسلمين ومجموعة خدام ممثلاً للتيار الليبرالي كما بات يصف نفسه مؤخراً، إلا أن وقائع التجربة العملية في التحالف بين الإخوان المسلمين السوريين ومجموعة خدام ما لبثت أن انتهت ووصلت إلى الجدار المسدود، فأعلنت الجماعة تنصلها من التحالف مع خدام.
وتبع الموقف إياه، الآن وبعد أكثر من عام ونيف من الاقتراح الأول الذي أطلقه البيانوني، موقفاً جديداً أعلنته قيادة حركة الإخوان المسلمين في سوريا من لندن، وتحديداً أثناء العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة، وفيه التزامها ما أسمته وقف سياسة الجماعة الإعلامية المتبعة ضد النظام في سوريا.
وقد أعتقد البعض في حينها أن موقف جماعة الإخوان المسلمين بمهادنة النظام في سوريا الذي أتخذ تم على خلفيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كما أعلنت الجماعة من لندن (وهو أمر ايجابي على كل حال). لكن أوساط مطلعة قالت إن الجماعة قررت اتخاذ هذا الموقف منذ فترة طويلة سبقت العدوان على قطاع غزة.
وجاء ذلك بعد نقاشات موسعة جرت في أوساطها القيادية، ومع الحركة الإخوانية في مصر والأردن والخليج. حيث كانت فروع الإخوان في هذه الدول توجه انتقادا للجماعة السورية لاتخاذها أسلوب العنف في مواجهة النظام في دمشق، مما جعلها حسب وجهة نظرهم «تخسر قاعدتها الجماهيرية، وتعطي المبررات للمواجهة المسلحة».
وعليه، كما تقول المصادر فإن الجماعة توصلت بعد نقاشات واسعة إلى نقد تجربتها خلال العقود الثلاثة الماضية، واقتنعت بان التجربة المصرية والأردنية كانت على صواب من ناحية خوض غمار العمل السياسي والنقابي وحتى عبر الانتخابات. وعلم بأن شخصيات إسلامية عربية دعمت ودعت إلى العمل الإصلاحي لسياسات الحركة الإخوانية السورية، والعودة إلى الداخل للعمل على الأرض وليس من الخارج.
في الوقت الذي عقدت فيه شخصيات إسلامية عربية اجتماعاً في لندن أواخر شباط/فبراير الماضي 2009، نظمه المكتب السياسي لحركة الإخوان المسلمين في سوريا، وجرى خلالها مراجعة عامة لمواقف وسياسات الحركات الإخوانية المعارضة، شملت الترحيب بالتخلي عن العنف في الممارسة السياسية، حيث شارك في أعمال الندوة نحو أربعين شخصية من رموز الحركات الإسلامية والباحثين الإسلاميين المقيمين في أوروبا، من أبرزهم زعيم حركة النهضة الإسلامية بتونس الشيخ راشد الغنوشي.
والباحث والناشط الإسلامي المصري كمال الهلباوي، والباحث الإسلامي البحريني سعيد الشهابي، إلى جانب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية المحامي علي صدر الدين البيانوني، والناطق الرسمي باسم الجماعة وعضو مكتبها السياسي الأستاذ زهير سالم.
ودعا بعض المشاركين إلى مراجعة مرحلة الثمانينات وتقويمها بمنظار ذلك الوقت وليس استناداً إلى المحددات والظروف في وقتنا الحاضر، كما دعا آخرون منهم إلى تقويم الموقف من جبهة الخلاص الوطني (جماعة خدام) ومراجعته.
ومن هنا فإن التقديرات تشير إلى المكتب السياسي للجماعة إن جماعة الإخوان المسلمين في سورية في صدد بلورة استراتيجية جديدة للمرحلة القادمة، وفي هذا الإطار جاءت هذه الندوة التشاورية المشار إليها مع شخصيات إسلامية، وباحثين متخصصين في شؤون الحركات الإسلامية.
ومن هذا المنطلق أيضاً، تشير العديد من التقديرات التي تطلقها مصادر المتابعين بأن الجماعة باتت عازفة عن تكتيكاتها السابقة، وباتت في موقع اللجوء للعمل المطلبي والقيام ببعض الأنشطة تحت رايته، والموافقة على قواعد الديمقراطية الموضوعة للوصول إلى المؤسسة التشريعية كأحد أهم المعاقل لممارسة العمل السياسي.
وقد وجدت قيادة حركة الإخوان المسلمين في سوريا في أحداث غزة اللحظة السياسية المناسبة لبدء العمل في الاستراتيجية الجديدة. فأعلنت الجماعة عن وقف أنشطتها المعارضة للنظام، حيث حصل القرار على ترحيب واسع ودعم لتأكيد جماعة الإخوان المسلمين في سورية رفضها للعنف وسيلة للعمل السياسي، كما عبرت عن ذلك وثائقها المختلفة في الأعوام الماضية.
إضافة لان تحالف النظام مع القوى الإسلامية المختلفة، ولد ضغطاً على الإخوان المسلمين السوريين لوقف سياساتهم المعارضة لدمشق التي تعرضت ومازالت لحملة كبرى قادتها الولايات المتحدة ولازالت لإضعاف الموقف السوري في مواجهة التسوية الإسرائيلية الأميركية المطروحة على مختلف المسارات التفاوضية.
في هذا السياق، فان المعلومات المؤكدة تشير أيضاً بأن هناك قرارا أمنيا بدمشق بالتعامل مع الإخوان المسلمين على مستوى أفراد وليس تنظيم، وقد عاد الكثير منهم وجددت لهم جوازات سفرهم بمن فيهم ابن المراقب العام علي صدر الدين البيانوني، ولكن لاءات ثلاث مازالت أمامهم بدمشق، واللاءات هي : لا للعودة كمجموعة أو تنظيم، لا للعمل ضمن سورية تحت اسم تنظيم، لا للترشح أو للمشاركة بأي عمل سياسي كتنظيم بصيغته السابقة.
ولكن وبكل الحالات، هناك تطور بطيء ملفت للانتباه، يسير قدماً في علاقات المركز الإخواني السوري بالعاصمة دمشق، وهو تطور تدل عليه مجموعة من المؤشرات أبرزها قطع علاقة التنظيم المركزي مع خدام وإصدار المراقب العام قراراته بوقف الحملة الإعلامية على النظام، وعودة أفراد التنظيم الإخواني بشكل متواتر إلى سوريا … وقد يفضي التطور إياه على الأرجح، ولو بعد حين للتوصل لإغلاق الملف الماضي من سيرة التنظيم الإخواني السوري في سوريا.
البيان