ما يحدث في لبنان

لبنان الجيش والمقاومة

null

صبحي غندور*

بعد إعلان المعارضة اللبنانية قرارها بالعصيان المدني، يوم السادس من الشهر الجاري، وبعد الأحداث الأمنية الأخيرة في لبنان، أفترض أنّ قائد الجيش العماد ميشال سليمان قد جمع ضباط قيادة الجيش وطرح أمامهم الآتي عن التطورات الأخيرة:

· نحن الآن أمام قرارات أصدرتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وهي قرارات تدخل في صميم مسؤولية الجيش وصلاحياته، لكن أودّ إعلامكم أنّ الحكومة لم تأخذ رأي قيادة الجيش بهذه القرارات، كما هي الأصول الدستورية والقانونية بالعودة إلى الجهات المختصّة قبل إصدار القرارات، فالحكومة قررت إقالة الضابط العميد شقير، رئيس أمن المطار، وهذا الأمر يخضع أصلاً لمسؤولية قيادة الجيش.

والحكومة أرادت من الجيش أن يوقف شبكة اتصالات المقاومة دون أن تقدم على استشارة قيادة الجيش في مضمون القرار قبل إصداره.

· سبق لهذه الحكومة أن اتّخذت قرارات ورّطت الجيش عسكرياً دون التشاور معه، كما حصل ضد جماعة “فتح الإسلام” حيث أرسلت الحكومة عناصر من قوى الأمن الداخلي لاعتقال مجموعة من هذه الجماعات دون أي تنسيق مع الجيش أو إعلام مسبق له ممّا سبّب مجزرة بحقّ موقع للجيش في الليلة نفسها، ومما أدى لاحقاً لأحداث مخيم “نهر البارد”.

· إنّ ما قررته الحكومة حول أمن المطار وشبكة الاتصالات، وضع الجيش أمام خيارين أحلاهما مرّ: عدم التنفيذ للقرارات، وهذا يظهر الجيش في حالة الضعف كما الحكومة أيضاً، أو العمل على تنفيذ القرارات وهذا يعني صداماً عسكرياً مع المقاومة وانقساماً فورياً بالجيش وتفكّك المؤسسة الوحيدة الباقية من مؤسسات الدولة كرمز لوحدة الوطن ولضمان استقراره الأمني.

· إنّ التصدّي العسكري لعناصر المعارضة كان سيدفع حتماً إلى المواجهة الشاملة والحرب المدمّرة لكل لبنان، كذلك فإنّ بقاء الجيش في الثكنات وانسحابه من الشوارع كان سيؤدّي إلى مزيد من القتل والصراعات بين الأطراف اللبنانية. لذلك كان القرار بالسعي لتحجيم ما تفعله عناصر المعارضة والموالاة ضدّ بعضها البعض في كل المناطق. فإذا كانت المعارضة قد أغلقت مطار بيروت، فإنّ عناصر مؤيّدة للحكومة أغلقت الحدود مع سوريا في البقاع. كذلك بالنسبة لاقتحام المقرّات فقد حدثت في الشمال والبقاع أمور شبيهة بما حصل في بيروت والجبل. وقد وقف الجيش على مسافة واحدة من كل الأطراف، وكان همّه الأول هو عدم تداعي الاشتباكات وردود الفعل المتبادلة، وتسلّم المراكز التي يقرّر أصحابها جعلها في عهدة الجيش ..

***

وأفترض أيضاً، أنّ قائد الجيش العماد ميشال سليمان قد قارن بين ظروف ما يحدث اليوم في لبنان وبين ما حدث فيه في العام 1958 حينما امتنع الجيش بقيادة اللواء فؤاد شهاب عن التدخّل أثناء الحوادث الدامية التي وقعت آنذاك بين المعارضة المدعومة من مصر جمال عبد الناصر وبين حكم الرئيس كميل شمعون الذي كانت تدعمه واشنطن وتدفعه إلى إدخال لبنان في “حلف بغداد”.

هذا السيناريو المفترض عمّا يكون قد جرى في قيادة الجيش قبل اندلاع الأحداث الأخيرة وبعدها، يفسّر الأسلوب الذي تعامل به الجيش اللبناني مع التطورات السياسية والأمنية، والتي ساهم الجيش عملياً بوأد تداعياتها وبمنع تحوّلها إلى فتنة كبيرة تشمل لبنان كلّه وتؤثّر على كل محيطه الإقليمي.

وسيذكر التاريخ أنّ القيادة الحالية للجيش اللبناني استطاعت السير السليم على حقول مليئة بالألغام طيلة السنوات الأربع الماضية، وبأنّها حفظت وحدة الوطن، وحافظت على وحدة مؤسستها المعقود عليها آمالاً كثيرة لمستقبل لبنان واستقراره السياسي والأمني.

وما حدث حتى الآن من إجماع لبناني وعربي ودولي على ترشيح العماد سليمان لموقع رئيس الجمهورية يحمل أيضاً آمالاً كبيرة بأن يحظى لبنان بقيادة حكيمة واعية وقادرة على مواجهة التحدّيات.

ولعلّ موقف قيادة الجيش من التطورات الأخيرة كان هو العامل الأهم في ثلاثة عوامل منعت من حدوث الفتنة اللبنانية/الإقليمية. فأصحاب مشاريع الفتنة راهنوا على صدام كبير بين الجيش والمعارضة، وتحديداً بين الجيش والمقاومة. كذلك راهنوا على انفلات ردود فعل المعارضة وعلى انجرارها إلى حالات يصعب ضبطها. أيضاً، كانت المراهنة على انفجار المشاعر الطائفية والمذهبية خاصّةً في بيروت وتحوّلها إلى السلاح ضدّ سلاح المقاومة. وقد سقطت كل هذه المراهنات وأثبت الشعب اللبناني، والجيش اللبناني، والمقاومة، وعيهم وحُسن تصرّفهم وإدراكهم بأنهم مستهدفون جميعاً فيما تخطّط وتعمل له منذ سنوات المشاريع البوشية/الإسرائيلية، في لبنان وفي المنطقة العربية، من فتن داخلية ومن سعي دؤوب لوقف أي مقاومة ضدّ إسرائيل.

فلو كانت إدارة بوش جادّة في التسويات السياسية لأزمات المنطقة، لقامت بالضغط على إسرائيل للانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلّة، وبذلك تسقط أيّة مبرّرات لاستمرار سلاح المقاومة في لبنان والأراضي الفلسطينية.

إنّ إدارة بوش تتحدّث الآن عن مخاطر وجود سلاح المقاومة المدعوم من دمشق وطهران، تماماً كما كانت واشنطن وتل أبيب تتحدّثان عن مخاطر سلاح المقاومة الفلسطينية المدعوم من الاتحاد السوفييتي واعتبار المقاومة حالة “شيوعية” لا كونها حقّاً مشروعا لأي شعب خاضع للاحتلال.

حتماً هناك صدق في كلام بوش وإسرائيل حول موقفهما السلبي من أي حركة مقاومة ضدّ الاحتلال، فهما ضدّ مبدأ المقاومة بغضّ النظر عن فكرها وأساليبها وتحالفاتها. بينما هناك رياء وكذب، عربيّاً ولبنانيّاً، حول هذا الموضوع. فاتهام المقاومة أنّها فصيل تابع لإيران وسوريا يفرض سؤالاً: لِمَ لا تقوم هذه الأطراف اللبنانية والعربية بتشكيل مقاومة عربية، لا إيرانية ولا سوريّة، مقاومة تقاتل إسرائيل ولا توظّف ذلك لصالح إيران كما يقولون؟

فإذا كانت هذه الأطراف اللبنانية والفلسطينية والعربية ضدّ المقاومة الآن لأنّها على علاقة بدمشق وطهران، فإنّ ذلك يفرض عليها مقاومة إسرائيل كي تكون هي البديل، أم أنّ هذه الأطراف قد أصبحت هي الأخرى ضدّ المقاومة من حيث المبدأ؟!


* مدير “مركز الحوار العربي”

alhewar@alhewar.com

http://www.alhewar.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى