أوباما بدأ الآن
زين الشامي
نصران كبيران حققهما الرئيس الأميركي باراك أوباما في غضون أقل من أسبوع على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك أن بعد أن بدأ نجمه يخفت، وبعد استطلاعات للرأي أشارت إلى هبوط شعبيته إلى أقل من خمسين في المئة.
الانتصار الأول كان انتصاراً داخلياً تمثل في تصويت الكونغرس على قانون الرعاية الصحية وذلك بعد توقعات بعدم اقراره والتصويت عليه بسبب حجم المعارضين له وقوة نفوذهم في الكونغرس، وربما كانت التوقعات بعدم اقراره أقوى من التوقعات المتفائلة لدرجة أن هناك من قال ان خسارة اوباما لمعركة الرعاية الصحية تعني أنه خسر فرصة الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ومعه خسر «الحزب الديموقراطي» حظوظه في كسب معركة الرئاسة أمام «الجمهوريين» بعد نحو ثلاثة أعوام.
لكن اوباما ومشروعه انتصرا في آخر الأمر، ولا يخفى على أحد قيمة هذا الانتصار الداخلي نظراً لأن قوة الرئيس الأميركي، أي رئيس أميركي، تبدأ أولاً من قوته في الداخل ومدى التأييد الشعبي الذي يمثله وهذا ما يعطيه الثقة اللازمة للخوض في مشاريع أخرى ومعارك جديدة مع خصومه، كما أنه يقوي من مكانته على الصعيد الخارجي.
الانتصار الآخر لأوباما كان انتصاراً خارجياً وتمثل في الاتفاق على توقيع معاهدة «ستارت» جديدة مع روسيا لخفض نحو الثلث من مخزون الأسلحة النووية الاستراتيجية في كلا البلدين. ان هذا الانتصار له قيمة كبيرة نظراً لأن اوباما قرر انتهاج سياسة الحوار مع الخصوم منذ البداية، وقد أكد الاتفاق على توقيع المعاهدة أنه من الممكن تكرار ذلك مع بلدان أخرى، وفي ملفات أخرى مثل الملف النووي الإيراني، والملف الكوري الشمالي، وربما لاحقاً قضية السلام في الشرق الأوسط.
وفي ما يخص هذه القضية، نقصد عملية السلام المتوقفة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أو بين إسرائيل وبقية الدول العربية، بعد وصول اليمين الإسرائيلي إلى السلطة، فإن الإدارة الأميركية تدرك جيداً أن المشكلة اليوم تكمن في حليفتها إسرائيل، وفي الحكومة اليمينية نفسها وليس في الفلسطينيين أو العرب، كما كانت عليه الانطباعات في الداخل الأميركي إبان عهد الإدارة الأميركية السابقة التي لم تعر أصلاً هذا الملف الجهد والوقت الكافيين.
صحيح أن هذا الملف من أصعب الملفات التي ستواجه إدارة الرئيس الأميركي لكن لابد من الاعتراف أنه وللمرة الأولى نجد أن الولايات المتحدة تتخذ مواقف متشددة تجاه حليفتها إسرائيل، وتبلغ العلاقة الثنائية بينهما درجة كبيرة من الاختلاف وربما التدهور رغم سعي المسؤولين في كلا البلدين لانكار ذلك واستبعاده.
في هذا السياق، ظهر الكثير من المؤشرات في الآونة الأخيرة تثبت أن شيئاً كبيراً قد بدأ ينكسر في العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، وأن مرحلة ما قبل اوباما هي غير ما بعدها، ولعل المثال الساطع على ذلك هو حجم التحريض في داخل إسرائيل ضد الرئيس الأميركي وتصويره كما لو أنه نصير للعرب والفلسطينيين، ونعته بالرئيس الأسود، وغيرها من الممارسات التي تؤكد أن اوباما ليس بالرئيس السهل وأنه لن يوافق اليمين الإسرائيلي على كل ما يقوم به وما يمارسه من تعطيل لعملية السلام.
مؤشر آخر برز في الآونة الأخيرة في الصحافة الإسرائيلية يدل على حجم الاستياء الإسرائيلي من اوباما وهو ما نقلته صحيفة «يديعوت احرنوت» عن مسؤول مقرب من نتنياهو حين وصف اوباما «بالكارثة» وهو الأمر الذي استدعى من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفيه وتعبيره عن تنكره منه والاستياء مما تنشره الصحافة الإسرائيلية.
ما يجب قوله والتأكيد عليه هو أن الرئيس اوباما لا يملك عصا سحرية لحل أزمة الشرق الأوسط بين العرب والإسرائيليين، وأنه لا يمكنه أن يغير الكثير ما بين ليلة وضحاها، لكن يجب على العرب أن يكونوا منتبهين ومتيقظين جيداً لما يحصل اليوم وأن يثبتوا مهارة كبيرة في تعاطيهم مع هذه المرحلة الحرجة والجديدة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خاصة وأن إسرائيل وسمعتها عالمياً ماضية في التدهور منذ الحرب على غزة مروراً بوصول اليمين الإسرائيلي إلى السلطة ووصولاً إلى قيام الموساد باغتيال محمود المبحوح، القيادي في حماس في دبي، وهو الأمر الذي تسبب بحرج كبير لإسرائيل اوروبياً ودولياً.
في عموم الأحوال، يمكن القول ان «ماكينة» اوباما قد بدأت في التحرك وما على الساسة والمسؤولين العرب إلا الانتباه إلى ذلك ومحاولة اعطاء هذه الماكينة الأهمية التي تستحق، ودفعها إلى الأمام أكثر لا وضع العراقيل أمامها بسياسات وتصريحات طائشة من هنا وهناك.
كاتب سوري
الراي