صفحات العالم

رداً على صقر أبو فخر: شهداء الأكراد لم يكونوا في نزهة

احمد حسو
قبل أيام انتقدني أحد الأصدقاء الأكراد واتهمني بأني «فلسطيني أكثر من الفلسطينيين». وحين أبديت استغرابي لهذا الكلام ذكرني ببرنامج تلفزيوني كنت قد شاركت فيه قبل فترة، عن الصراع العربي الإسرائيلي، وقال إني كنت «أستميت في الدفاع عن حركة حماس» علما بأن هذه الحركة «إرهابية» برأيه. وهو يعتقد (الصديق) أن بعض المثقفين «الأكراد»، وأنا منهم، لا يزالون يعيشون في «الماضي» ويدافعون عن القضية الفلسطينية، وكأن شيئا لم يكن، بمعنى لا مفاوضات مع إسرائيل ولا أوسلو ولا من يحزنون.
رددت عليه بأن هذه قناعاتي، وأن على الإنسان أن يدافع عن قضايا الآخرين كما يدافع عن قضيته، وأن كل كردي لا يدافع عن حق الفلسطينيين ولا يرى في إسرائيل دولة غاصبة ومحتلة لا يستحق شرف الدفاع عن القضية الكردية. وحين قصصت هذا الأمر على صديق آخر أحالني على مقالة صقر أبو فخر في «السفير»، عدد العاشر من الشهر الجاري والمعنونة بـ«أكراد العراق: هل يتحول المظلومون إلى ظالمين». وحين قرأت المقالة انتابني فزع شديد، إذ تأكد لي أن هناك كماً هائلاً من سوء الفهم قد تراكم، وألقى بظلاله على العلاقة الكردية العربية، وأن كلام الصديق الكردي لم يأت من فراغ، وربما كان هو على حق، وأن «المياه تجري من تحتي» وأني أعيش فعلا «في الماضي».
لقد كنت وما زلت من المؤمنين بأن مستقبل الأكراد مع جيرانهم وكل ما عدا ذلك فطارئ ومؤقت، مهما كانت قوته. وحين فاز «حزب الدعوة» بزعامة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في الانتخابات المحلية العراقية، بفضل البرنامج الانتخابي المعادي للأكراد، والتلويح بالعودة إلى النظام المركزي وتعديل الدستور، انضممت إلى الخائفين من اندلاع صراع كردي عربي جديد وأخطر من السابق في العراق. فهذا الصراع لن يكون، هذه المرة، مع جيش سلطة دكتاتورية بل سيمتد بالتأكيد إلى أبعد من ذلك. وحتى أكون منصفا، ولا أتهم الطرف الآخر فقط، علي أن اعترف بأن القيادات الكردية العراقية ارتكبت بعض الأخطاء التي جاءت في سياق جعل الطرف الآخر ينفر من الشعب الكردي ويصوره وكأنه يسطو على وطن «الآخرين».
وبالرغم من عودة الأكراد في العراق إلى المركز والارتماء في حضنه، بدلا من استغلال الفوضى التي رافقت سقوط النظام وإعلان الانفصال، فإن الخطاب الرسمي الكردي فشل في طمأنة الشريك الآخر في الوطن وبدا وكأن الأكراد مسؤولون عن الغزو الأميركي للعراق والمحاصصة الطائفية الجديدة، التي كان أبطالها، من يطالب اليوم بالعودة إلى الحكم المركزي.
وما زاد الطين بلة هو أن هذا الأمر ترافق مع الحملة الإعلامية التي تعرض لها حكام العراق الجدد (عملاء الاحتلال) وهو ما عزز بعض المقولات العنصرية التي تربى عليها الطرف الآخر وكأن الأكراد هم «كعب أخيل» لتطور العراق وسبب كل مصائبه.
وما يحير في أبو فخر، في الحقيقة، أنهم لم يستوعبوا بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في العراق منذ عام ألفين وثلاثة، حتى لا أتهمه بأنه لم يستوعب بعد سقوط نظام صدام وتداعياته. فتراه يرمي التهم جزافا ويقول الشيء ونقيضه في الآن نفسه. فهل يصدق عاقل في هذه المعمورة أن الأكراد مسؤولون عن مقتل مليون أرمني؟ كيف يقرأ هذا الرجل التاريخ؟ وهل مشاركة بعض الأكراد في الكتائب الحميدية العثمانية يعني أن الشعب الكردي برمته مسؤول عن مذابح الأرمن؟ وإذا كان أبو فخر يجهل التاريخ الكردي والعلاقة الأرمنية الكردية فما عليه إلا أن يعود إلى كتاب المؤرخ الكردي كمال مظهر أحمد عن هذه الفترة والمعنون بـ«الكرد والدم الأرمني المراق».
ومن يقرأ مقالة أبو فخر يصل إلى نتيجة بأن الأكراد مسؤولون عن كل مشاكل المعمورة، ربما الاحتلال الإسرائيلي أيضا؟ وليسمح لي أن أهمس في أذنه وأسأله: ماذا يريد من الأكراد حقا؟ فلو مضينا وفق منطقه وأقررنا بأن بعض المدن الكردية، كنصيبين، لم تكن كردية في الماضي، فبالتالي لا يمكن اعتبارها كردية اليوم لأن آثارها سريانية، فستصبح دمشق والقدس وغيرها من الحواضر العربية غير عربية وغير إسلامية؟
ثم لا نعرف أي حل يرتضيه أبو فخر للأكراد، فالانفصال غير مقبول بتاتا لديه والفدرالية دونها مشاكل، أي تؤدي إلى الانفصال (المثالان السوفياتي واليوغسلافي) فماذا بقي وفق أبو فخر؟ المركزية المقيتة والعودة إلى دكتاتورية جديدة دينية أو قومية؟
وإذا كان أبو فخر حريصا فعلا على شركائه في الوطن لما اختار هذا «المركب الخشن» وحمل الأكراد المضطهدين، الذين لم يصلوا بعد إلى أكثر من حكم ذاتي مهدد في أي لحظة، وزر كل أخطاء البشرية. ليس هذا فحسب بل هو يأخذ على الأكراد نكرانهم «للجميل» حين استقبلهم الفلسطينيون أيام الحقبة اللبنانية بالأحضان وزعيمهم زار إسرائيل و«طعن في مشاعر العرب».
لن أجادل أبو فخر في مدى صحة هذه الرواية وهل حقا زار البرزاني الأب إسرائيل أم لا؟ ومتى؟ ولن أذكره بأن العديد من الزعماء العرب زاروا إسرائيل في تلك الفترة فهذا ليس من شأني ولا أدافع عن مثل هذه الخطوات، لكن ما أود أن أذكره به هو أن المقاتلين الأكراد الذين انضموا إلى المقاومة الفلسطينية لم يكونوا في نزهة في لبنان بل دافعوا عن هذا البلد وقدموا عشرات الشهداء في قلعة شقيف وغيرها عندما رفضوا الانصياع لأوامر قائد القوات الفلسطينية في جنوب لبنان الحاج إسماعيل بالانسحاب بمجرد أن بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

[ كاتب مقيم في سويسرا
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى