مانيفستو ستيغليتز لـ “الثورة العالمية”
سعد محيو
مانيفستو الثورة العالمية الجديدة وُضع وأُعلن. بقي الآن أن تنشب هذه الثورة.
كلا. نحن لانتحدث هنا عن المانيفستو الشيوعي الذي وضعه كارل ماركس وفريدريك أنجلز العام ،1848 والذي دشّن لاحقاً ثورات غيرت وجه التاريخ في القرن العشرين (قبل أن يعود هذا التاريخ لغيرها لاحقاً!)، بل عن مانيفستو جوزف ستيغليتز.
من هو ستيغليتز؟
إنه الاقتصادي الأمريكي البارز الذي حاز جائزة نوبل للاقتصاد، ويترأس الآن لجنة الخبراء لإصلاح النظام النقدي والمالي العالمي التابعة للأمم المتحدة. أما ثورته فهي جاءت في شكل تقرير شامل رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضمنت المبررات التالية لقيام نظام اقتصادي عالمي جديد:
– الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ليست مجرد مشكلة نجمت عن خطأ في شبكة الصرف الصحي، بحيث يكفي أن ندعو السباك إلى تنظيف الأنابيب فيعود كل شيء الى ما كان عليه. الأزمة تعكس مشاكل نظامية أعمق ينبغي التصدي لها. يجب ألا نعود الى عالم ما قبل الأزمة.
– يتعيّن إنشاء نظام احتياط عالمي جديد لا يعتمد على عملة واحدة مثل الدولار، وتأسيس منشأة ائتمانية عالمية جديدة تتكامل مع صندوق النقد الدولي، وإقامة مجلس تنسيق عالمي جديد من شأنه أن يكون أكثر شمولاً من مجموعة ال20 المؤلفة من مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى، الى 12 من الدول الأخرى الأكثر نمواً.
– في عالم العولمة لامعنى لأن تكون لدينا عملة واحدة، عملة بلد واحد، كأساس لنظام اقتصادي عالمي، بل من المنطقي التحرّك نحو إقامة نظام احتياط عالمي يكون، من جهة، أكثر استقراراً وينعش، من جهة أخرى، الطلب الكلي العالمي ويكون فعلاً أكثر عدالة من النظام الحالي.
بموجب النظام الحالي، تقدم البلدان المتقدمة قروضاً قيمتها تريليونات من الدولارات إلى الولايات المتحدة بمعدلات فائدة تساوي صفراً. وهذا في الواقع بمثابة مساعدات خارجية للولايات المتحدة. قد يقول بعض الناس إن الولايات المتحدة تحتاج الى بعض المساعدات الخارجية، لكن هذا لايمكن أن نسميه نظاماً دولياً منصفاً.
كما هو واضح، مايدعو إليه ستيغليتز لايقل عن كونه نقل السلطة الاقتصادية العالمية من الحضن الأمريكي ووضعها بين يدي مجلس اقتصادي عالمي جديد، يكون بمثابة قيادة جماعية لنظام دولي جديد.
الأهمية القصوى لهذا الطرح تنبع من شخصية ستيغليتز نفسه. فهو كان نائباً لرئيس البنك الدولي (والذي طرد منه لاحقاً بسبب نقده له)، ومستشاراً اقتصادياً بارزاً في إدارة كلينتون، وأحد أبرز الشخصيات اليهودية الأمريكية التي كانت معادية بقوة للاشتراكية ولتدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، ثم عاد وغيّر رأيه فرفض فكرة “اليد الخفية للسوق” وانتقد إدارة ظاهرة العولمة. ومؤخراً، حمل بعنف على خطة الانقاذ التي تبناها أوباما، متهماً واضعيها بأنهم “في جيب البنوك، ويعملون في خدمتهم”.
ستيغليتز يطلق الآن على أنصار الاقتصاد الحر المنفلت من أي عقال اسم “أصوليي السوق الحر”، الذين سيقودون العالم إلى الهاوية، كما يفعل الآن الأصوليون الدينيون. وهو لا يرى من مخرج من هذه الورطة التاريخية سوى في نظام عالمي جديد كذلك الذي يدعو إليه الصينيون والروس والهنود والبرازيليون (مجموعة “البريك”).
لكن، هل هذا المانيفستو الثوري الجريء له حظ من النجاح؟