باطنية إيرانية
ساطع نور الدين
منذ زمن بعيد سقطت فلسطين والقدس من لائحة اولويات ومقدسات الاصلاحيين الايرانيين، ولم تعد سوى مسألة انسانية واخلاقية تخص العرب والفلسطينيين تحديدا. والتزم التيار الاصلاحي بالشعار الساذج الذي رفعته قيادتهم في خلال رئاسة الرئيس محمد خاتمي، والذي يدعو الى استفتاء للمسلمين والمسيحيين واليهود الذين يعيشون على الارض الفلسطينية ويتنازعون ملكيتها، ويفرغ الصراع من اي مضمون قومي.. ويأمل في النهاية ان يؤدي ذلك الاستفتاء الى قيام دولة تعايش ديني، لا تختلف في جوهرها عن دولة «اسراطين» التي اقترحها العقيد الليبي معمر القذافي.
خلال المعركة الانتخابية الرئاسية الاخيرة، كان الاصلاحيون الايرانيون اشد صراحة ووضوحا في التعبير عن ضيقهم من اعباء القضية الفلسطينية ورغبتهم بالتخفف من مسؤولياتها السياسية عامة، والمالية بشكل خاص، بناء على الاعتقاد الشائع في ما بينهم انه لا يمكن لايران ان تكون فلسطينية اكثر من الفلسطينيين انفسهم، وبناء على الايمان السائد بان القضية الفلسطينية باتت قضية خاسرة، هُزم فيها العرب والفلسطينيون مرارا وتكرارا، وبالتالي لا يمكن حلها الا بفكرة مبتكرة، مثل محاولة جر اليهود الى صناديق الاقتراع على شرعية دولتهم وهويتها، وعلى تقاسمها مع المسلمين والمسيحيين، او من تبقى منهم على ارض فلسطين!
وخلال تلك المعركة الانتخابية الضارية التي لم تكتمل فصولها حتى اليوم، احتلت القضية الفلسطينية موقعا متقدما حتى على البرنامج النووي في النقاش الداخلي الايراني، وقال مرشح الاصلاحيين للرئاسة مير حسين موسوي في احدى المقابلات التلفزيونية ان الشعب الايراني يحتاج بشدة الى الاموال التي تنفقها حكومة محمود احمدي نجاد في الخارج، من دون ان يذكر فلسطين بالاسم، علما بأن آخرين من حملته وانصاره اوردوا الاسم اكثر من مرة في سياق ذكر اسماء دول تتلقى مساعدات مالية ايرانية في افريقيا واميركا اللاتينية، ولا تخدم بحسب رأيهم اي مصلحة قومية ايرانية.
وفي المناسبة، فإن النقاش لم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد الى لبنان وشيعته، الذين يبدو انهم يقعون خارج هذا التصنيف الايراني، وسيظلون يتلقون الاموال والمساعدات الايرانية، التي لم تنقطع يوما في عهد اسرة بهلوي قبل الثورة الاسلامية، والتي لن تنقطع ابدا حتى ولو وصل الشيوعيون في يوم من الايام الى حكم ايران، برغم ان عددهم حاليا لا يتجاوز المليون شيوعي، على ذمة بعض الرواة، ولم ينتبه احد الى انهم قاطعوا في غالبيتهم الانتخابات الرئاسية الاخيرة.
كان من المفاجئ، بل الغريب جدا، ان يلجأ الاصلاحيون الايرانيون الى انتهاز فرصة يوم القدس المصادف في يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان، كي يوجهوا الدعوة الى التظاهر في شوارع طهران وكبرى المدن الايرانية، وكي تعمد قيادتهم الثلاثية البارزة، خاتمي وموسوي وكروبي، الى تقدم المتظاهرين الذين لم يرفعوا شعارات نصرة المدينة المقدسة بقدر ما رفعوا شعارات نصرة مرشحهم الرئاسي المهدد بالاعتقال بين لحظة واخرى، مع رفيقيه.
الباطنية الايرانية لا تسمح بالافصاح عما اذا كانت تظاهرات الامس محاولة اصلاحية لاعادة الاندماج بالنظام وشعاراته الثورية، ام انها مجرد مناسبة لتجديد الصراع المفتوح معه؟
السفير