طهران وواشنطن: طلسم داخل طلسم
سعد محيو
مذكرة إيران إلى الدول الكبرى، جاءت بالفعل طلسماً داخل طلسم.
إذ ما كان يُفترض أنه رزمة من الاقتراحات الإيرانية المحددة التي يجب أن ترد على عرض الحوافز التي قدمتها الدول الكبرى مقابل حل أزمة الملف النووي، تحدثت عن كل شيء سوى عن هذا الملف.
فالصفحات الخمس التي وقعت فيها المذكرة تبدأ بتحليل تاريخي عن قرب نهاية مرحلة في التاريخ البشري تقوم على سيطرة الإمبراطوريات والقوة العسكرية، وتنتهي بدعوة تاريخية أخرى إلى نظام عالمي جديد “يتضمن ما هو حق إلهي في الجنس البشري”.
هذه هي الأسس التي على أساسها وحدها تقبل أن تنخرط طهران في حوار جديد مع الغرب والأمم المتحدة. وهي أسس تعني أن الجمهورية الإسلامية تشترط حل كل مشكلات بؤر التوتر في العالم، من فلسطين والشرق الأوسط والبلقان إلى إفريقيا وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا (كما جاء في المذكرة)، قبل بدء الحوار.
هل هذا معقول؟ وهل يمكن أن يكون هذا العرض منطلقاً جدياً للمفاوضات؟
الدبلوماسيون الأوروبيون لا يعتقدون ذلك البتة. فهم قالوا إن الوثيقة الإيرانية فشلت في تلبية أي من المطالب الدولية للبدء فوراً في حوار حول برنامجها النووي، هذا على رغم أن التوقعات تتزايد بأن المفاوضات حول الوجبة الجديدة من العقوبات الدولية ستبدأ من الآن فصاعداً في نيويورك.
ونسبت “فايننشال تايمز” إلى دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي قوله: “إننا كنا ننظر إلى خمس صفحات (الرد الإيراني) حول القضايا العالمية، فلم نجد أي بند حول المسألة النووية”. وقال دبلوماسي آخر “الوثيقة فشلت في أن تتضمن ولو مضموناً واحداً قد يحفزنا على التفاوض”.
بيد أن رد الولايات المتحدة على الوثيقة كان، وعلى عكس الرد الأوروبي، حذراً، ويشدد على ضرورة ترك المجال مفتوحاً أمام التفاوض مع إيران.
وعلى رغم أن القوى الكبرى كانت منحت إيران موعداً نهائياً في آخر شهر أيلول/ سبتمبر الحالي للرد بجدية على عرض المحادثات، إلا أن بعض المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن اعتقادهم بأنه سيكون من الأهم إعطاؤها مهلة أخرى حتى نهاية هذا العام.
كيف يمكن تفسير هذا الموقف الأمريكي المُفرط في برودته، قياساً بالموقف الأوروبي المُفرط في غليانه، خصوصاً أنه يأتي غداة اتهام واشنطن لطهران بأنها تقترب من صنع أسلحة نووية، عبر مراكمة اليورانيوم المُخصّب؟
ليس هناك سوى تفسيرين:
إما أن واشنطن تمارس لعبة فائقة الذكاء، قوامها دفع الدول الكبرى الأخرى إلى الاحتكاك مباشرة مع إيران، الأمر الذي سيسهّل عليها لاحقاً القول إن طهران لا تتحدى واشنطن بل العالم برمته.
أو أن طبيعة البيان الإيراني الذي كان مذهلاً في عموميته، يُخفي في طياته احتمال وجود محادثات سرية متقدمة بين طهران وواشنطن، إلى درجة أن هذا البيان لم تعد له أية أهمية تذكر، طالما أن الأولى تتعاطى مباشرة مع “رأس العين” الغربي (واشنطن).
أي التفسيرين الأقرب إلى الصحة؟
لا أحد يستطيع أن يجزم. إنه الطلسم داخل الطلسم!
كم كان مسؤول سوري كبير سابق مُحقاً حين قال: “من المستحيل علينا أن نعرف ماذا يريد حقاً الإيرانيون (والأمريكيون)، إلا بعد أن يتحقق ما يريدون.
الخليج