نحن و«القاعدة» و«الغرب»
حازم صاغيّة
ثمّة من يفضّل أن يسمّي هذه الأيّام «الذكرى العشرين لولادة القاعدة»، التي تتلازم مع الانسحاب السوفياتيّ من أفغانستان، بدل الذكرى الثامنة لجريمة 11 أيلول (سبتمبر) في نيويورك ولندن.
وربّما كان الاختيار هذا محقّاً من زاوية تفضيله الأصل على الفرع، والسبب على النتيجة. لكنْ، وفي الحالات جميعاً، شهدت الأيّام القليلة الماضية دفقاً من الكتابات حول حركة أسامة بن لادن تفاوتت بين إسباغ قوّة مضافة عليها، مردّها ازدهار الإرهاب في موازاة ازدهار «الدول الفاشلة»، وبين إسباغ الضعف، بشهادة المراجعات الكثيرة التي نطق بها إسلاميّون تائبون وأنصاف تائبين، فضلاً عن دور السياسة الجديدة لأميركا، في عهد أوباما، في امتصاص العداء لبلدها مما رسملت «القاعدة» عليه.
كائناً ما كان الأمر، اتّفق معظم المراقبين، إن لم يكن كلّهم، على أمر واحد، هو ضمور العمليّات التي كانت تجرى في بلدان الغرب، الأوروبيّ منها والأميركيّ. فاليوم لا تعانق «القاعدة» إلاّ البلدان التي أرادت تحريرها من الشياطين «الصليبيّة واليهوديّة»، وهو طبعاً عناق بأدوات الموت الكثيرة.
ولقائل أن يقول إن التنظيم البنلادنيّ، وأخواته وبناته، لا يزال يصيب «الصليبيّين واليهود» في العراق وأفغانستان وباكستان من خلال الجنود الغربيّين العاملين هناك. بيد أن هذا، على أهميّته النسبيّة، لا يحمل على التشكيك بحقيقتين باديتين للعيان:
أولاهما أنّ الجنود «الصليبيّين واليهود» هم الذين لا يزالون، للأسف، يقيمون هنا، في بلداننا. أمّا من كان يستمع إلى أشرطة بن لادن والظواهري وسواهما ويصدّقها، فكان يتراءى له أن «فرسان الإسلام» الذين استحضرهم القائدان القاعديّان هم الذين سيتمخترون على ظهور الخيل في لندن وباريس وواشنطن.
والثانية، أن قتل جنديّ غربيّ هنا وآخر هناك لا يرقى، بحال من الأحوال، إلى التدمير الهائل لأسس المجتمعات التي تخاض هذه المواجهات على أرضها ولمقوّمات عيشها واستمرارها.
وفي هذا جميعاً تجسّد «القاعدة» تتويجاً لنهج راديكاليّ قديم نسبيّاً عبّرت عنه أنظمة ومنظّمات عدّة، نهجٍ يصفه المثل العاميّ عن جحا الذي «لا يقدر إلاّ على خالته». والخالة، في هذه الحال، تبدأ بالأقليّة التي تحاصرها الأكثريّة، وتمرّ بالطبقات والفئات المنتجة حين تستهدفها القطاعات الاجتماعيّة الرثّة والمقتَلعة، وصولاً إلى البلدان الصغيرة التي تتسلّط عليها بلدان جارة و «شقيقة» أكبر منها وأقوى. هكذا تقوم سياساتنا باستيحاء تلك اللعبة المكسيكيّة حيث يسمّي اللاعب إحدى قدميه على اسم الديك الذي يراهن عليه، ويسمّي القدم الأخرى على اسم الديك الذي يراهن ضدّه. فما إن ينشب قتال الديكة حتّى يروح يدوس بقدمه المطيّبة قدمَه الأخرى المكروهة إلى أن يدميها.
وما يفعله ذاك النهج هو أن يسمّي قطاعاً من مجتمعه باسم الغرب، ثمّ يمضي في معاقبته، وصولاً إلى الدعوة لاستئصاله. هكذا يصير «إيصال الرسالة إلى الغرب»، البعيد الذي لا تبلغه اليد، كبتاً لحريّات بعضنا، أو حرماناً لبعضنا من الحقوق، أو القتل أو السجن أو التعذيب.
أمّا أن يكون التتويج الذي تمثّله «القاعدة» للنهج هذا أكثر بدائيّة من الأطوار والقوى السابقة، فهذا بليغ بما يكفي في التدليل على «حالة الأمّة»، عربيّة كانت أم إسلاميّة أم بين بين!
النهار