لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان
محمد علي الأتاسي
جرت العادة أن تزداد حساسية بعض الأوساط السياسية والصحافية اللبنانية كلما أدلى مراقب “خارجي” برأي نقدي بخصوص السياسة الداخلية اللبنانية. خصوصا إذا كان هذا المراقب ينتمي إلى واحد من البلدان المنخرطة في الصراعات الإقليمية من حول لبنان. مع ذلك، وعملا بمبدأ صديقك من صدقك، سأقدم بعض النقاط النقدية إجابة على سؤال “قضايا النهار”: أي مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان؟ انطلاقا من فهم كلمة المستقبل الواردة في السؤال، لا بمعناها الزمني، ولكن بمعنى الانفراج للبنان والأمل بغد أفضل.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن مستقبل هذه الإصطفافات هو، ويا للأسف، خارج لبنان وليس داخله.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، ما دامت الدولة اللبنانية، بأطرها المؤسسية، غير قادرة على احتواء هذه الاصطفافات وإدارتها ضمن إطار المعادلة الوطنية اللبنانية.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن من لا يملك حاضره لا يملك مستقبله. وهذا هو حال معظم، حتى لا نقول كل، القوى السياسية اللبنانية.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن مصالح القوى السياسية اللبنانية ومصالح من يقف خلفها، لها الأولوية على مصالح الكيان المؤسسي المشترك للدولة اللبنانية.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن من لا ذاكرة له، لا مستقبل له. أما الذاكرات المتحاربة التي تتفاخر بتبجيل شهدائها وتتعامى عن المجازر التي ارتكبتها وتمعن في العنصرية ضد الآخر، فإنها لا تفعل شيئا آخر سوى إعادة إنتاج الماضي وإغلاق أي أفق أمام المستقبل.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن هذه الاصطفافات لا تقوم أساساً على قاعدة مشاريع متباينة، سياسية واقتصادية واجتماعية، بقدر ما تقوم على عصبيات مذهبية وطائفية متناحرة ومتقاتلة.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن السيرورة الطائفية للحقل السياسي اللبناني على مدى 70 عاما، سمحت للطوائف والقوى السياسية اللبنانية بمختلف تياراتها الأيديولوجية أن تفتح لحسابها الخاص وبعيدا عن أي رقابة وفي معزل عن كيان الدولة اللبنانية، علاقات سياسية ومالية وثقافية وحتى عسكرية مع الكثير من الدول الطامحة للعب دور إقليمي من خلال الساحة اللبنانية. وهذا الأمر بحد ذاته نادر الوجود في بقية دول العالم، بما فيها الدول ذات الطابع الكونفيديرالي.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، ما لم تفهم بعض القوى السياسية اللبنانية أن مستقبل لبنان ورسالته، كوطن حر ومستقل وديموقراطي، هما داخل المنطقة العربية لا خارجها. أما مقولة الحياد فلا معنى لها، إذا كان المقصود بها التعامي عن التهديدات الإسرائيلية التي تستهدف الكيان اللبناني في وجوده.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، ما دام نظام المحاصصة الطائفية السائد منذ الإستقلال، يمعن في تفكيك القواسم المشتركة بين اللبنانيين وهي الغالبة في الأساس، لمصلحة المزيد من التفرقة والتباعد والكراهية.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، لأن التركيبة الطائفية للنظام السياسي وللثقافة الاجتماعية السائدة، لا تزال تظهر كل ما هو متخلف وغريزي في الاجتماع اللبناني، وتغيّب كل ما هو مدني وحضاري مع أنه الغالب.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، إذا ظل النظام السياسي يسمح للطبقة السياسية المهيمنة أن تعيد إنتاج نفسها وفقا لمبدأ من السيئ إلى الأسوأ، وراثةً وفساداً وزبائنية.
– لا مستقبل للاصطفافات السياسية في لبنان، ما لم يأخذ اللبنانيون، بمختلف فئاتهم، زمام المبادرة بأيديهم ويعيدوا إنتاج الطبقة السياسية على شاكلتهم، بما فيهم من طاقات كامنة وتنوع وخبرات وتعليم وانفتاح على العالم وطبقة وسطى مزدهرة ومجتمع مدني حي، بدلا من أن تعيد طبقتهم السياسية محاولة إنتاجهم على شاكلتها. وبؤس هذه الشاكلة.
(كاتب سوري)
النهار