صفحات سورية

الموقف الإسرائيلي و”التعاون الاستراتيجي” التركي – السوري

null
بقلم رنده حيدر
منذ المواجهة العلنية بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس في مؤتمر دافوس حين وصف أردوغان العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة بأنها  “جرائم حرب”، تمر العلاقة بين تركيا وإسرائيل بمرحلة من الجمود الكبير. فالإتصالات بين المسؤولين الكبار في الدولتين شبه مقطوعة، ولم تنجح المحاولات في تبديد سوء التفاهم الحاصل بينهما، وتتولى وزارتا الخارجية والدفاع في البلدين مهمة التواصل الرسمي.
في هذه الظروف، يُطرح السؤال اليوم: ماذا يمكن أن تكون عليه ردة الفعل الإسرائيلية على توقيع اتفاق التعاون الإستراتيجي بين تركيا وسوريا، وما تأثير التقارب الكبير الذي شهدناه في الأشهر الأخيرة بين البلدين والذي ظهر واضحاً إبان الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد الى تركيا، وتشديده من جديد على معاودة الوساطة التركية للمفاوضات السياسية غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، والتي توقفت منذ عملية “الرصاص المسبوك” على غزة في نهاية العام الماضي؟
تجدر الإشارة إلى أن الاتفاق الأخير بين تركيا وسوريا سبقته مناورات عسكرية أجراها البلدان مطلع شهر أيار الماضي وهي الأولى من نوعها في تاريخ البلدين. هذه المناورات أيقظت تساؤلات عدة في الأوساط الإسرائيلية بشأن مستقبل التعاون العسكري الوثيق الذي يربط إسرائيل بتركيا الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بدولة إسرائيل واقامت معها علاقات ديبلوماسية، ووقعت معها على أكثر من اتفاق للتعاون العسكري والاستخباري.
وليس سراً أن مخاوف كثيرة ساورت إسرائيل بشأن مستقبل التعاون بين البلدين في أعقاب فوز “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي الهوى برئاسة الحكومة التركية عام 2002، والذي وقف مواقف حادة ضد إسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين، ولكن نظراً الى أن التعاون العسكري بين البلدين يستند بالدرجة الأولى على مصالح حقيقية وليس على مبادىء إيديولوجية، سرعان ما تبددت هذه المخاوف. وعادت تركيا في نظر الإسرائيليين دولة ديموقراطية تؤمن بإسلام عصري لها مكانتها في المنطقة وحليفة مهمة بالنسبة لهم.
ولكن تزامن حدوث المناورات العسكرية التركية – السورية، والتوقيع على إتفاق التعاون الإستراتيجي في ظل التباعد الحاصل بين تركيا وإسرائيل يلقي بظلاله السلبية على مسار العلاقات التركية الاسرائيلية، وبصورة خاصة على احتمال تجدد الوساطة التركية في المفاوضات السياسية بين سوريا وإسرائيل وبصوة خاصة في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يرئسها بنيامين نتنياهو والتي صرح قادتها في أكثر من مناسبة عن رغبتهم في معاودة المفاوضات مع سوريا ولكن من دون شروط مسبقة أي من دون الموافقة على التعهد المسبق الذي يطالب به الرئيس الأسد بالإنسحاب الشامل من هضبة الجولان.
حتى الآن كل الدلائل عبر ما تنشره الصحافة الإسرائيلية تشير الى عدم وجود اتصالات مباشرة بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. من ناحية أخرى تحدثت الصحف الإسرائيلية قبل أسبوعين عن تبادل رسائل حادة بين الخارجيتين الإسرائيلية والتركية في أعقاب رفض إسرائيل قيام وزير الخارجية التركي خلال الزيارة التي يعتزم القيام بها الى إسرائيل في وقت قريب بزيارة قطاع غزة، معربة عن تخوفها من الإستغلال الإعلامي من جانب حركة “حماس” لهذه الزيارة، ومن مواقف وتصريحات قد يدلي بها وزير الخارجية التركي قد تكون معادية لإسرائيل.
حتى الآن لا يبدو أن الخارجية الإسرائيلية بصدد ترميم العلاقة مع تركيا، وإعادة العلاقات الى ما كانت عليه قبل مواقف أردوغان في دافوس، لا سيما مع وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان الشديد الحساسية لكل موقف معاد لبلده والذي تسبب حتى الآن بأزمة في العلاقات الديبلوماسية مع السويد ونروج بسبب تقارير صحافية نشرت في البلدين تحدثت عن ممارسات غير إنسانية للجيش الإسرائيلي مع الأسرى الفلسطينيين ومتاجرة بأعضائهم.
ويمكن أن نضيف الى الجمود في العلاقة مع تركيا، الكلام الذي تنشره الصحف الإسرائيلية عن عدم رغبة حكومة نتنياهو معاودة المفاوضات مع سوريا من النقاط التي جرى التوصل اليها في المحادثات غيرالمباشرة التي أجراها أولمرت مع الأسد العام الماضي، والتي يقال إنه وافق فيها على الإنسحاب الشامل من الهضبة. ووفقاً لما نشرته “معاريف” بالأمس طالب الرئيس السوري بشار الأسد بتوضيحات حول ست نقاط يؤدي حسم الجدل حولها الى اتفاق على ترسيم الحدود، الأمر الذي يوضح مدى التقدم الذي أنجزه أولمرت. وإذا ما أخذنا في الاعتبار كل هذه المعطيات من الصعب أن نرى في وقت قريب تجدد الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، لا سيما أن الحكومة الإسرائيلية تعطي الأولوية حالياً لمبادرة الإدارة الأميركية لحل النزاع مع الفلسطينيين.
من حيث المبدأ لا يتعارض التقارب التركي السوري مع الهدف الإسرائيلي الأساسي ألا وهو إضعاف نفوذ إيران السياسي في المنطقة وإبعاد سوريا عنها. ولكن كي ينعكس هذا التقارب إيجاباً على مسار العملية التفاوضية المتوقفة بين سوريا وإسرائيل، يجب أن يترافق مع ازالة للتباعد وسوء التفاهم الحاصل منذ أشهر بين رئاسة الحكومة التركية والرئاسة في إسرائيل.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى