ماذا نريد من سورية؟
داود الشريان
أعلنت دمشق دعمها الحكومة التركية في حل قضيتي أكراد الداخل، والأرمن على الحدود وفي الخارج، وتعهد الرئيس بشار الأسد استرجاع الأكراد السوريين المنخرطين في منظمة «حزب العمال الكردستاني»، في حال أوقفت المنظمة القتال. جاء هذا الاتفاق ضمن الإعلان عن تأسيس «مجلس تعاون استراتيجي» بين سورية وتركيا، يهدف الى تعزيز العلاقات بين البلدين في كل المجالات والتنسيق بينهما في المحافل الدولية.
التقارب السوري – التركي كان، وسيبقى مهماً لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتطوير العلاقات العربية – التركية. والعلاقات العربية مع تركيا شهدت تطوراً ملحوظاً إثر تحسن علاقات أنقرة مع دمشق، لكن الإعلان المفاجئ عن ذاك الاتفاق، في ظل أزمة عراقية – سورية، وتعقيدات كردية – تركية – عراقية، يذكّرنا بـ «مجلس التعاون العربي» الذي تأسس في بغداد عام 1989، وجمع العراق ومصر والأردن و اليمن، لكنه انهار بسرعة، ولاحقاً كشف الرئيس المصري حسني مبارك هدفين لتأسيس المجلس: توقيع اتفاق دفاع مشترك، واتفاق أمن مشترك، ودمج أجهزة المخابرات. لكن الخطة لم تفلح بسبب موقف مصر.
لا شك في ان الأهداف السياسية السورية الراهنة مختلفة، وربما متناقضة مع الأهداف التركية، لكن صمود هذا التعاون ليس في اختلاف الأهداف، وانما في مرحليتها، مثل الأكراد على الحدود التركية، والمحكمة الدولية، والوضع في العراق. فهل يتعامل أحد البلدين أو كلاهما مع قضية المجلس على قاعدة «صلّى المصلي لأمر كان يطلبه، فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صام»؟
بصرف النظر عن هذا المجلس وتوقيته، ومرحلية أهدافه، ما يثير الاهتمام هنا هو السلوك السياسي لسورية في السنوات الأربع الأخيرة. فدمشق تعيش أزمة حقيقية مع عمقها العربي، وهي تتمنى زوال أسباب الأزمة، لكنها لا تسعى الى تحقيق هذا الهدف من خلال البوابات العربية. وآخر مؤشر الى هذا النهج كان نصيحتها الى القطريين، التي سرّبها الفرنسيون، بعدم السعي الى عقد اجتماع بين الفرقاء اللبنانيين من دون استشارة السعوديين وأخذ دعمهم. كان بإمكان دمشق، عوضا عن تسريب رغبتها، الذهاب الى الرياض مباشرة، لكنها لم تفعل على رغم اقتناعها بذلك. العرب يعرفون ماذا تريد سورية منهم، لكنها لا تريد أن تسمع ماذا يريد العرب منها، وهنا مشكلتها. لعل الاتفاق مع أنقرة يفعل شيئاً في هذا الاتجاه.
الحياة