سوريا وعولمة النفي الداخلي
جهاد صالح
سياسة ليست بغريبة على سلطات تمارس أبشع انتهاكات حقوق الانسان بحق مواطني الدولة، وتقمع الأراء بالسجن والاعتقال والتعذيب، وجردت سوريا من كل القيم الإنسانية والدستورية، حتى تحولت الدولة إلى ركام وغابة مستباحة للفساد والظلم والطغيان.
السياسة التي نتحدث عنها هي ممارسة النفي بحق الموظفين الحكوميين والمدرسين في السلك التربوي، لأسباب أمنية أو سياسية، وقد تمارس أحيانا لضرورات وظيفية ، مع ملئ الشواغر بأشخاص يتم جلبهم من الساحل السوري ، ولما لا ومنطقة (الجزيرة 700كلم عن دمشق) في شمال شرق سوريا، هي مثال حي ، ومزرعة للفاسدين من أرباب السلطة ممن يسيل لعابهم لأجل الثراء السريع وبمعدلات زمنية قصيرة. ومنطقة تشهد حراكا مدنيا وسياسيا ومظاهرات مستمرة ضد التسلط والممارسات اللاانسانية من قبل السلطة.
إسلوب العقاب الذي يُمارس بحق الموظفين والمدرسين هو عبارة عن حصار اقتصادي وحياتي على هؤلاء المواطنين الذين لا يسدّ راتبهم متطلبات الحياة بشيء.
الحكاية أنه خلال السنة المنصرمة قامت الأجهزة الأمنية وتبعتها من مديرية التربية في محافظة الحسكة بإصدار فرمانات سلطانية بحق مجموعة من المدرسين والمدرسات ونقلهم من أماكن عملهم إلى خارج مناطق سكناهم ، تحت دواعي الأمن القومي وأمن الدولة، وتأمين تربية منهجية سليمة للطفل السوري، تتطابق مع شعارات البعث وشبيبة الثورة و شعارات الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، ودولة الصمود والتصدي التي تعتبر الصندوق الانتخابي وتداول السلطة وحرية الرأي والتعبير من المفردات المشتقة من ثقافة الإمبريالية والأمركة والصهيونية والتآمر على الوحدة الوطنية وعملية السلام وتحرير الجولان؟
هؤلاء المعلمون والمعلمات عجزوا عن الاحتجاج في ظل القمع والحاجة إلى الخبز والعيش، لأنه سيكون الفصل من الوظيفة نتيجة حتمية لأي ثورية في جمهورية المهانة والخوف.
المربّي محمد خير بنكو مدّرس اللغة الإنكليزية وزميل آخر له، أعد عدته من خيمة ومونة غذائية لأجل المباشرة كمعلم على الحدود العراقية، بعد أن أمرت السلطات وزارة التربية وكذلك دائرة التربية والتعليم بنقله من مدينته عامودا ( شمال شرقي سوريا) إلى منطقة \جنوب الرد\ على الحدود العراقية حيث تبعد عن مدينته120 كلومترا؟
سيكون بوسع المدرّس المذكور تعليم حرس الحدود السوريين اللغة الانكليزية ، وهذا سيساعدهم في الدردشة مع القوات العراقية والمارينز الأمريكي، وخاصة أن الجيش السوري يقوم بمنع تسلل الارهابيين من داخل سوريا إلى العراق؟ وهذه مهمة وطنية قومية لمعلم بسيط ، من الحكومة السورية التي تعتبر المعلمين بناة حقيقيون ، وتكافئهم بكل حرية على أوسع نطاقات الجغرافيا والمسافات داخل حدود الوطن، ولا يهم البعد أو مشقة السفر، بل المهم هو خدمة الوطن من أقصاه ‘إلى أقصاه. إضافة إلى المساهمة في مكافحة الإرهاب؟
لم ينتهي العقاب بعد ، لأن السلطات أرادت تكملة اللعبة المجنونة، فنقلته هذه المرة مع مجموعة مؤلفة من أربعة عشر مدّرسا ومدّرسة من السلك التربوي إلى أعمال ادارية في ناحية (تل براك) 40 كلم شمال شرقي مدينة الحسكة ، ولم ينفعهم الاحتجاج لدى الوزارة والمحافظة ومديرية التربية. لأن سلطة السلك الأمني أعلى وأقوى من سلطة الدولة ومؤسساتها. وهذا هو مبدأ فصل السلطات في سوريا.
الغريب أن العقاب يكون ضمن هوية واحدة تطال أبناء القومية الكردية ، وتشمل أحيانا بعض المدرسين المسيحيين والعرب أيضا ولكن بنسبة قليلة .
سياسة بوليسية ضمن تراتيل وطقوس الحكم الديكتاتوري في سوريا، والتي تمارس التمييز العنصري بحق المواطنين الكرد وتعتبرهم رعايا من خارج الحدود ولاجئين، رغم أن الأرض واللغة والشعب السوري برمته يعلم أن هؤلاء مواطنين سوريين أصلاّء منذ جذور التاريخ وقبل ولادة البعث بمئات السنين.
حالات النقل التعسفي باتت عصا وهراوة يلّوّح بها في وجه المواطن المغلوب على أمره، وجزرة سياسية وقمعية لاانسانية .
يمكن أن تكون للحكومة السورية أجندة تربوية جديدة لم تكتشف في أية دولة بعد، وهي نقل المربّي من تربية الأطفال والتلاميذ إلى أعمال ادارية سواء في البلدية، أو معمل الاسمنت، أو دائرة العلف والمداجن، لأهداف تنموية تدخل ضمن مشروع التغيير والاصلاح، وعولمة المواطن المتعدد الاستعمالات. بحيث يصل المعلم إلى سنّ التقاعد وقد اكتسب ثقافة مهنية مواطنية لا أبعاد لها.
هي عولمة مواطن لكل الاستعمالات، وفي كل زمن ومكان، مرصود من قبل الآلهة السلطوية من دمشق إلى رأس العين ، ومن حلب إلى البوكمال.
أطلب العلم ولو في الصين ؟
يحدث هذا في سوريا التي يُختصر فيها حقوق الانسان وثقافة المواطنة وحرية الرأي والتعبير والحريات الشخصية ضمن حريتان فقط: ( الصمت والولاء المطلق) ، وغير ذلك يكون خروجا عن قانون القبيلة والعشيرة. ومخالفة للإعلان العالمي لحقوق الانسان والتي وقّعت عليها سوريا.
صحفي وناشط سوري . واشنطن
خاص – صفحات سورية –