عام على المرسوم 49، ووَهن اللحمة الوطنية !
في الوقت الذي ما زالت فيه السلطة الحاكمة في بلادنا تضطهد وتعتقل أصحاب الرأي الآخر من خيرة أبناء سورية على أساس اتهامات باطلة مثل “إضعاف الشعور القومي” و”وهن نفسية الأمة”، تستمر بسياساتها التي تضعف وتوهن اللحمة الوطنية فعلاً. نذكر ذلك بمناسبة مرور عام على صدور المرسوم التشريعي رقم 49.
صدر المرسوم المذكور في 10/9/2008، ليمنع” عمليات البيع والشراء والإيجار والاستثمار لأية أراضٍ أو عقارات بعمق 25 كم من الحدود السورية لأكثر من ثلاث سنوات، إلا بموافقة خاصة من وزير الداخلية”. وهو ينطبق بشكلٍ خاص على سكان البلاد بجوار الحدود الشمالية، أي على الأكراد بالذات، وأكثر من غيرهم.
إن تطبيق هذا المرسوم يعني أن يحتاج المواطن إلى موافقات وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية والدوائر المختصة جميعاً على أيّ ترخيص، وبمعنى آخر يعرفه كلٌّ منا أنه لن يحصل غالباً على ردٍّ على طلباته. بذلك تُحرم شريحة هامة في مجتمعنا من حقوق التملك والتصرف والتقاضي والعمل، التي تضمنها لوائح حقوق الإنسان الدولية جميعاً، ومعها الدستور السوري.
وليست المسألة حقوقيةً وحسب، بل إنها اجتماعية واقتصادية أيضاً، حيث ستأتي بأعباء جديدة على حياة أولئك الذين تعنيهم، مع استمرار مشكلة المجردين من جنسيتهم منذ إحصاء 1962 من دون حلٍّ حتى الآن رغم الوعود المتكررة، والجفاف الذي يضرب الاقتصاد الزراعي بعنف في المناطق الشرقية والشمالية خصوصاً، والحصار الأمني الذي أهّل بلادنا في تلك المناطق ببركاته المتميزة.
الحصيلة هي إحساس المواطنين الأكراد هناك بالتمييز الفاضح، وهنا التأثير الأكثر ضرراً وعمقاً، على الرغم من كلّ ما يجمع بين مواطنينا جميعاً، من حيث الظلم والقمع ومصادرة الحريات الأساسية، والصعوبات المعيشية الخانقة التي تنجم عن احتكار السلطة والثروة والقرار.
بذلك تتهدّد اللحمة الوطنية، ونبتعد خطوة إضافية عن مفهوم الدولة الوطنية، الذي لا يعني الانتماء الوطني والدفاع عن حدود البلاد وتحرير الأراضي المحتلة وحسب، بل أيضاً تحقيق شروط المواطنة وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين، ومنحهم حقوقهم قبل مطالبتهم بواجباتهم.
فما الذي نربحه حين نحاول تحقيق أمن الحدود من طريق تشريد أهلنا وتحويلهم إلى فقراء يسكنون أحزمة البؤس حول المدن الكبرى، غير الشعور بالظلم والتمييز وتغذية أفكار التطرّف التي آن لنا أن نتخلّص منها بالوسائل المدنية والوطنية والديمقراطية؟! أم أن المقصود لا يعدو أن يكون ذلك نفسه، لتبرير وتشريع تطرّف السلطة واحتكارها وقمعها لكلّ صوتٍ مختلف عنها، قليلاً أو كثيراً؟!
لا يمكن حماية الحدود عملياً إلاّ بتعزيز الانتماء وإعطاء الحقوق وإطلاق الحريات وتنمية المناطق الأكثر حاجةً، ولا يمكن الانتساب إلى العصر والعالم المعاصر من دون تحكيم العقل والقانون ومنطق الحوار، ولا يمكن للنظام أن يخرج من أزمته بتعميمها جزافاً واعتباطياً.
لذلك كله، لا بدّ من وقف استشراء السياسة الأمنية أولاً، وإنهاء اعتقال المواطنين وحصارهم بكلّ الوسائل التي انقرضت وبادت لدى غيرنا.. ولا بدّ هنا من إلغاء المرسوم 49، وحلّ القضية الكردية بجميع جوانبها الخطيرة والضارة..
.. ولا بدّ من مخرجٍ سليمٍ يجنّب شعبنا المزيد من الآلام، فقد آن الأوان لذلك.
موقع اعلان دمشق