صفحات سورية

النكوص

null
المحامي هيثم المالح
لعله من المفيد العودة غالباً إلى التاريخ واستقراء ما تم من أحداث، أو ما قيل حول الإصلاح أو بلغة العصر”تطوير وتحديث”على اعتبار أننا بتنا أسرى مصطلحات القادة أو الحكام،ونخاف من مخالفتهم، لأن في مخالفتهم يكمن الهلاك.
في الماضي القريب حين اعتلى الرئيس الدكتور بشار الأسد سدة رئاسة الدولة أطلق عدة أفكار في خطاب القسم أقتطف منها ما يلي:
(فإذا أردنا ان نعالج مشكلة ما فيجب أن نتناولها من بدايتها وليس من نهايتها وأن نعالج السبب قبل النتائج وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفنا وعن بعض العادات والمفاهيم التي أضحت عائقاً حقيقياً في طريق أي تقدم فالمجتمع هو الطريق التي يسير عليها التطوير في حقوله العديدة.فإذا كانت هذه الطريق غير صالحة تعثر التطوير وتأخر أو توقف.وهذا بالمفهوم النسبي يعني التراجع إلى الوراء.وهذه إحدى الصعوبات الموجودة في واقعنا، ودراسة هذا الواقع تحتاج إلى التركيز على المعوقات التي تبقيه على حاله دونما تغير إلى الأفضل… وهذا بحاجة إلى مشاركة فعالة من كل الجهات خارج إطار الدولة وداخله كي تساهم كل الفئات والشرائح في إيجاد الحلول… إلخ وهو منطق التعاون والانفتاح على الأخرين وهو لا ينفصل عن الفكر الديمقراطي بل يتقاطع معه في مواقع عديدة.وهذا يعني أن امتلاك الفكر الديمقرايطي يعزز الفكر والعمل المؤسساتي…فإلى إلى مدى نحن ديمقراطيون وما هي الدلائل على وجود الديمقراطية أو عدمها هل هي في الانتخاب أم في حرية النشر أم في حرية الكلام أم في غيرها من الحريات والحقوق أقول ولا واحد من كل ذلك… فهذه الحقوق وغيرها ليست الديمقراطية بل هي ممارسات ديمقراطية ونتائج لها وهي تنبني جميعها على فكر ديمقراطي وهذا الفكر يستند على أساس قبول الرأي الآخر… إلخ).
بعد سنوات عشر من حكم الرئيس الذي يجمع في يدية كافة السلطات، ولا غروفي ذلك فقد تم تفصيل الدستور على المقاس الرئاسي الذي يناسب السلطة، ونتجاوز ذلك فنقول بعد هذه السنوات العشر فماذا لدينا اليوم في مجال الحريات وحقوق الإنسان؟
حين بدأ عهد الرئيس كان المجتمع متعطشاً للحراك بعد أن مضى عليه زمن طويل في ظل أنظمة استبدادية.فأنشئت المنتديات الفكرية، بغرض الحوار بين المواطنين، وكان يحضر في هذه المنتديات أعضاء معروفون من حزب البعث الذي يقود بقوة الدستور في مادته الثامنة الدولة والمجتمع، وعن هذا الطريق كان يجري الحوار بين المجتمع والسلطة، كما نشطت تجمعات للعمل المدني، وكذلك جمعيات لحقوق الإنسان.
ولا نستطيع أن نقول أن هذا الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة كان سليماً وخالياً من الأخطاء، ولكن ينبغي لنا أن نلتمس العذر لمن انطلق للعمل المدني هذا فلقد ران على المجتمع زمن طويل عُزل فيه عن المشاركة في قضاياه سواء من الناحية السياسية او من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فالوقوع في الأخطاء أمر متوقع وينبغي علينا التماس العذر في ذلك.
وما أن مضى وقت قصير على هذا الحراك حتى عمدت السلطة إلى إغلاق المنتديات ثم ملاحقة كافة تجمعات المجتمع المدني والتضييق عليها بما فيها جمعيات حقوق الإنسان التي حاول بعضها أن ينأى بنفسه عن الدخول في المساجلات السياسية أو معتركها إلا ان الأجهزة الأمنية – على ما يبدو- لم يرق لها الحراك الذي بدأ يدب في جسد الأمة الميّت لينهض بها من جديد، فراحت هذه الأجهزة بجميع أنواعها وفروعها، مدنية وعسكرية- سياسية وغير سياسية، تمارس اعتقالات خارج إطار القانون، وهنا أحب أن أشير إلى أنه من غير المقبول أن يحتج علي أحد بحالة الطوارئ التي ناقشناها طويلاً والتي نجزم أنها لم تعد موجودة قانوناً.
راحت الأجهزة الأمنية تمارس اعتقالات وتضييقاً على المواطنين في كل مناحي حياتهم طالت جميع فئاتهم وانتماءاتهم، فمن معتقلي التيار الإسلامي وهم الغالبية العظمى تغص بهم السجون إلى معتقلي الآراء والحراك السياسي من أمثال معتقلي إعلان دمشق.
وأخيراً وليس آخراً اعتقال الزميل المحامي مهند الحسني الذي يترأس منظمة لحقوق الإنسان – سواسية- على خلفية عمله الحقوقي في رصد محاكمات محكمة أمن الدولة العليا التي هي من القضاء الاستثنائي، وبرغم أنه كان قد تذاكر مع رئيس المحكمة وأعلمه بعزمه في القيام بهذا الرصد، وحصل على الضوء الأخضر في ذلك إلا أن الأجهزة الأمنية رأت في خطوته رأياً آخر فاعتقلته وألبسته التهمة التي اعتادت ألباسها لأمثال الزميل، إشاعة أخبار أو أنباء كاذبة توهن نفسية الأمة أو تنال من هيبة الدولة، هذه التهم الجاهزة التي سبق وأن كتبت حولها وبينت فضفاضة هذه المصطلحات وضبابيتها، ومع ذلك فالزميل أضحى بين القضبان، بل وراحت إدارة السجن تمعن النيل منه وانتهاك حقوقه فوضعته في المكان الذي يضم نحواً من سبعين معتقلاً على خلفية الجرائم الماسة بالشرف، دعارة… إلخ وما إليها، وبذلك استهدف الزميل ليس فقط بحجز حريته ولكن بالمساس بكرامته محامياً وناشطاً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وكان جل عمله هو رصد محاكمات محكمة استثنائية وطرح أحكامها على الجمهور ليحكم عليها.
في الأنظمة الديمقراطية يتقدم المرشحون على الشعب ببرامجهم الانتخابية ويتم محاسبتهم حين انتهاء ولايتهم النيابية عن الشعب وهم بدورهم يحاسبون الرئيس المنتخب من قبلهم أما في الأنظمة التي تسود معظم مناطقنا في العالم العربي فالمرشحون لمجالس النيابات عن الشعب ليس لديهم برامج انتخابية وبالتالي لايستطيعون محاسبة الرؤساء لأنهم هم أنفسهم لا يحاسبون وينتظر كل واحد منهم رضاء السلطان حتى يعاد انتخابه.
إن نظرة على واقعنا في سوريا نجد تراجعاً في ميدان الحريات العامة وحقوق الإنسان ونكوصاً عما عرض على الشعب منذ بداية رئاسة الرئيس بشار الأسد وحتى الآن، وبينما يزداد الفساد ويتسع بل ويتعمق في المجتمع، في الوقت الذي تتسع فيه الهوة بين فئات الشعب بحيث يزداد الفقير فقراً بينما يزداد الأغنياء غناً وتخمة على حساب لقمة الشعب فمن الذي يحاسب من؟!
* محام وناشط حقوقي سوري – دمشق

أخبار الشرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى