بين انحطاط السلطة وإحباط المعارضة
فلورنس غزلان
السمة السائدة في عصر الانحطاط الفكري والسياسي العربي، هو العداء البارز لأمريكا ولكل ما يأتي به الغرب ولكل مايخرج على لسانه ولما يصدره من فكر ، وكي تثبت أنك مواطن شريف منتمي للعروبة عليك أن تغني موالاً يومياً وتردد شعارات مستمرة دون توقف ومزاميراً داوودية دينية تؤكد فيها على وطنيتك وعروبتك، وويل لك لو سهوت أو أغفلت في أي مقام أو مقال جملة اللزوم والاثبات على أصالتك وصلابة قوميتك وقوة شعورك الوطني، التي لايضعفها مقال لمعارض أو موقف مؤيد لمعارض، كما تعني أن تلعن أمريكا وأوربا على الطالع والنازل وتقذف بكل ما يبدر ويصدر عنها،أما أن تمتد أيدي الأنظمة لتقبيل الأيدي والأقدام الأمريكية والغربية ، فهذا محض استراتيجية بعيدة المدى والنظر من أجل تمتين وصلابة الانتماء والممانعة، ومجرد مناورة للوصول للغايات وتثبيت أقدام السلطات بحقها المشروع والأبدي فينا وفي استمراء تعذيبنا وقهرنا، لأننا شعوب تستحق العبودية فقط، ولا تناسبها الحريات والديمقراطيات المستوردة غربياً والتي يراد لنا من وراء بث أحلامها وأفكارها أن ننسلخ عن عروبتنا أي عن أنظمتنا ونلتحق بعالم أمبريالي صهيوني معولم يريد احتلالنا ومحاصرتنا وحرماننا من نظام وطني مقاوم!، ولو كان استبداديا قامعاً شموليا قاهرا مُجَّوِعاً فاسداً بكل إدارته وميزاته النادرة عالميا، لكن يبدو أننا حتى على صعيد نظرة الغرب هذا شعوب مغرقة في التخلف وتستحق أن تظل مستمرة في سقوطها نحو الهاوية والانسحاق التام، وهذه الأنظمة لم تأت لو كانت عقولنا وفكرنا أكثر صفاء ونقاء ونفوسنا تحمل وجداناً حيا وانتماء وطنياً لاتحكمه الطوائف ولا العشائر، أو لاتسيطر عليه أيديولوجيا وحيدة الجانب مُثبطة لكل عزيمة ومصفقة لكل تردي ، تحكمنا بالسوط القانوني وبمواد دستورية تمنحها الحق في الرعية وفي حكم الرعية ببصطار عسكري مُقَونَن بالطواريء وأخواتها، قوي علينا ضعيف في مواجهة العدو، يسعى للسلام باعتباره استراتيجيته وهدفه ــ فنحن شعوب حكوماتها مسالمة تحب السلام ــ لكنها مع هذا ممانعة مقاومة ، أما كيف؟ الجواب تجدونه عندكم.
كل ما نحن فيه ومايحيط بنا يلفه ظلام الفكر وظلام العقل، وظلامية النظام دون نافذة نور أو كوة يدخلها شعاع أمل، مما يصيب بالإحباط والإحساس بالعجز أمام سدود تعلو وجدران تبنى عن سابق تصميم وقصد بين المواطن وحكومته، هذا الوضع ألفناه ونحاول أن نلملم الجراح ونخرج من عنق الزجاجة هذا، بعد أن وضعنا أملنا بمعارضة يمكنها يوماً ولو على صعيد النَفَس الطويل الذي مط وتمطمط لما يزيد على أربعة عقود أن” تنشل الزير من البير ” ، لكن موقف المعارضة أو المعارضات العراضية في صنوفها وتميزها بطروحات تخرق وتنفث مايبعث على الخجل والغثيان ، تزيدنا إحباطاً وتشعرنا أن القادم سيكون أسوأ مناطقياً وعربياً وعالمياً، لأن كل الأنظمة المتمترسة فوق الكراسي العربية لاهم لها سوى بقاءها ولو فني الغنم المهم الذئب، فأوضاع المعارضات على الساحة السورية كمثال تفقد بوصلتها يوماً بعد يوم، وتثبت عجزها عن لم شتاتها والاجتماع على المباديء الأساسية الأكثر أهمية، وتختلف على” العليقة قبل الفرس”، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على مقدار الانحطاط الذي وصلت إليه الحال، فكيف يمكن لمعارضة على هذه الصورة أن تنهض بعبء التغيير وتكون بمستوى المسؤولية؟ وتستطيع أن تلم شمل الوطن وشتاته الفكري والسياسي وتنطق بما يعتلج به قلب وعقل المواطن وما يعانيه ويحلم به للخلاص من مغبة الحاضر وسواد المستقبل، فحين لايستطيع كاتب ما في المعارضة إلا أن يوجه حرابه التهمية والتخوينية بحق قطب معارض أو جماعة معارضة لأنها لم تفكر بمقياسه الفكري ولم تطرح مايراه بمرآته ولم تمارس نفس الخطوات التي يتبعها أو يجدها الأفضل في خارطة طريقه النضالي ، يشرع يراعه اللغوي وبراعته الوطنية ليحلل ويفسر ثم يُخَّون ويتهم دون رادع ، وما أسهل لغة التخوين عند العرب، خائن مارق كل من لايلتقي مع الآخر، وهذا الآخر هو السلطة دوما وأبناءها الأبرار المدافعين عن بقائها والمحتمين بديمومتها،وهو معاداة أمريكا والغرب كذلك، أو معارضة تجد أن طوقها وإطارها هو الأسلم والأفضل للوصول إلى الأمثل، ولا يتوانى أي طرف من الأطراف المتنازعة في كيل التهم وتسليط اللغة السليطة، الجميع دون استثناء يعمل على الاعتقال العقلي ضمن إطار مايراه ، الكل دون استثناء سلفي أصولي في فكره يمارس سلفيته على أعضائه وعلى من هم خارج المعتقل الذي رسمه لنفسه ولمن يود الدخول في سجنه، وويل للمتذمر أو الناقد، يحق النقد ويحصل بعض الأحيان فردياً ، لكنه ينال نصيبه تقريعياً وتشريحياً ، سواء من داخل المعتقل المعارض أو المعتقل السلطوي الكبير، في النهاية لايدري المرء كيف يحق له أن يعبر عن رأيه ، أو كيف يكون حراً، فالمجالات دائما ضيقة وتزداد المساحات أمامه ضيقاً على ضيق ويوماً بعد يوم،فكيف يمكن لمعارضة تنادي وتطرح الحرية والديمقراطية تنزع ممارساتها وسلوكها لديكتاتورية تشبه ما تمارسه السلطة عليها؟ ، كم من العبر ومن دروس الماضي مر علينا ، أما تعلمنا بعد كيف نمارس الاختلاف ونتقبله فعلا لاقولاً؟ ، حيال هذا الواقع المريض لابد لنا من التساؤل، أين المخرج وكيف السبيل إليه؟ فلا السلطة آبهة للمواطن ومسؤولة عن همومه أو حتى محاولة لرؤية مستقبله إلا من خلال وجودها واستمرارها ، وحتى لو قبلنا أن نمد لأشرافها اليد وفتح صفحة جديدة لمصالحة وطنية ، فإن هذه السلطة بحلتها وفكرها وخوفها من خيال الكلمة ترفض أي إصلاح وترفض أي اعتراف بفكر مغاير ومعارض لفكر حزب البعث وسلطة العسكر والعائلة القائدة، وترفض الانفتاح على شعبها لكنها في الوقت نفسه تنتفخ أوداجها فخراً وعنترية معتقدة أنها الأفضل وأن بطشها هو الحل الأمثل حين ينفتح عليها الغرب ويتقرب إليها باعتبارها مفتاح الحل والسلم ومفتاح الاستقرار في المنطقة ، ولا تعترف بمعارضة، وكل معارضة خائنة ومتعاملة مع الخارج ! المصيبة الكبرى في بعض أطراف معارضة تسلك نفس السلوك وتصطاد رفاق لها وترتكب نفس الخطأ بحق معارضين ، فقط لأنهم لم يلعنوا أمريكا يوميا ومازالوا يعتقدون أن في دول الغرب لابد أن هناك منافذ ومنظمات تؤمن بحق الانسان ، وترى أن فضح النظام كما فضح السلوك الغربي تجاه إنساننا أمر يجب أن يظل مشتعل الأواروالتذكير به واجب على المعارضة بكل أطيافها ، وهنا يلتقي هذا البعض المعارض مع النظام ويستخدمه حربة بوجه المعارضة ، ويستمر الصراع بين هذه الأطراف ونغرق نحن بين أتون السلطة وضياع بوصلة المعارضة، ونرى أنها لو كانت بعد تملك بعض الأصوات والأفراد التي يمكن أن تجمع من أجل الوطن وتشكل كتلة وطنية دون أيديولوجيا وتخرج من قمقم الأحزاب وقمقم الدين كذلك يمكنها ربما أن تفلح في انقاذ مايمكن انقاذه والبدء من جديد ، فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً.
باريس 13ــ 9 ــ 2009
خاص – صفحات سورية –