صفحات سورية

فرض الرقابة على الصحافة الالكترونية في سورية: “جهاز المخابرات شريك أسرة التحرير”

null
كريستين هيلبرغ
ترجمة: رائد الباش
لا تؤثِّر الدولة في سورية على وسائل الإعلام وحسب، بل تحاول أيضًاً وبشكل متزايد مراقبة شبكة الإنترنت وفرض سيطرتها عليها؛ حيث يتحتَّم على مَنْ يستخدم في سورية مقاهي الإنترنت أن يبرز أولاً بطاقة هويته وأن يسجِّل بياناته عند مدخل المقهى. كريستين هيلبرغ تلقي الضوء على هذا النوع من الرقابة في سورية.
اشتباه عام- ينتهي المطاف بالمدوِّنين في السجن، كما يتحتَّم على مَنْ يدخل أحد مقاهي الإنترنت إثبات شخصيته أولاً ليتمكن من استخدام الشبكة ما يزال المشهد الإعلامي في سورية واضحاً ويمكن حصره وتحديد معالمه، إذ يوجد في سورية بالإضافة إلى وكالة الأنباء الرسمية (سانا) والصحف اليومية الرسمية الثلاث، بعض وسائل الإعلام المطبوعة التي لا توجد إلا للقليل من بينها توجّهات سياسية. وينطبق الشيء نفسه على القنوات الإذاعية والتلفزيونية التي تُستخدم قبل كلِّ شيء للترفيه والتسلية وليس للنقد.
ولهذا السبب يمكن أن تلعب شبكة الإنترنت في سورية دوراً مهماً باعتبارها مصدراً للمعلومات، إلا أنَّ النظام السوري حاول منع ذلك بمختلف الوسائل. وكذلك يخضع الصحفيون الذين يكتبون على شبكة الإنترنت للرقابة وينتهي المطاف بالمدوِّنين في السجن، كما يتحتَّم على مَنْ يدخل أحد مقاهي الإنترنت إثبات شخصيته أولاً ليتمكن من استخدام الشبكة.
رقابة وتمحيص
ويفرض القانون على أصحاب مقاهي الإنترنت تسجيل أسماء الزبائن وأرقام بطاقاتهم الشخصية، ولكن تطبيق ذلك يختلف من مكان لآخر. ففي حين تشاهد في واجهات مقاهي الإنترنت في الحي الجامعي في دمشق إعلانات تشير إلى ضرورة تسجيل بيانات الزبائن، يندر أن يسأل أصحاب مقاهي الإنترنت عن البطاقة الشخصية في الحي الدبلوماسي أو في منطقة دمشق القديمة التي يرتادها السياح.
ويقول مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في دمشق: “من المقرَّر قبل كلِّ شيء مراقبة الطلاب وخريجي الجامعات وغيرهم من الشباب”. وفي بداية شهر أيَّار/مايو وضع هذا المركز دراسة جديدة عن المشهد الإعلامي في سورية؛ وهذه الدراسة تشير إلى وجود رقابة وفرض سيطرة شديدة على الصحافة الإلكترونية.
الترهيب وسيلة للضغط
يقول مازن درويش، رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في دمشق: “من المقرَّر قبل كلِّ شيء مراقبة الطلاب وخريجي الجامعات وغيرهم من الشباب”. ويقول مازن درويش إنَّ الحكومة تراهن قبل كلِّ شيء على الآثار النفسية، وذلك بسبب عدم التمكّن من فرض السيطرة الكاملة على شبكة الإنترنت ولأنَّّه من السهل تقنياً تجاوز الحجب المفروضة على بعض المواقع. ويضيف أنَّ بعض الإجراءات مثل تسجيل بيانات الزبائن في مقاهي الإنترنت تعمل على إرباك مرتادي مقاهي الإنترنت وجعلهم يعتقدون أنَّ هذه الوسيلة فعَّالة في مراقبة الشبكة العنكبوتية: “عندما أريد فتح موقع محظور، ويتم قبل ذلك تسجيل بياناتي الشخصية، فعندئذ سأخاف وسأفضِّل عدم الإقدام على ذلك”، حسب تعبير مازن درويش.
وينظر الخبير الإعلامي ضمن هذا السياق إلى الأحكام التي صدرت بحقّ خمسة من نشطاء الإنترنت الذين يقضون حالياً أحكاماً بالسجن لعدة أعوام. ومؤخَّراً حكمت المحكمة الجنائية العليا في دمشق في مطلع شهر نيسان/أبريل على الكاتب حبيب صالح بالسجن ثلاثة أعوام، وهذه هي المرة الثالثة التي يحكم فيها بالسجن خلال تسعة أعوام على هذا الرجل البالغ من العمر واحداً وستين عاماً.
ويؤكِّد مازن درويش أنَّه يتم توجيه التهم نفسها، كما أنَّ هذه التهم تمتد من “نشر معلومات كاذبة” إلى “إضعاف الشعور القومي والقذف والتشهير بالرئيس” وحتى إلى “إثارة النعرات العرقية والطائفية”، كما أنَّها تعطِّل من خلال ذلك حقّ التعبير عن الرأي المنصوص عليه في الدستور السوري. ويضيف درويش أنَّ النظام جعل من هؤلاء النشطاء الخمسة عبرة وذلك لكي يتكوَّن لدى المدوِّنين وصحفيي الإنترنت السوريين نوع من الرقابة الذاتية.
استدعاء للمخابرات
والصحفية السورية بهية مارديني تسعى من أجل الحيلولة دون انتشار هذا “الشكل من الرقابة” والذي يعدّ حسب رأيها من أسوأ أشكال الرقابة. وهذه الصحفية البالغة من العمر تسعة وثلاثين عاماً تكتب منذ عدة أعوام لصالح موقع “إيلاف” الذي ينتج في لندن ويعتبر واحداً من بين العديد من المواقع الإخبارية التي يتم حجبها في سورية. وحتى يومنا هذا لم تمنح وزارة الإعلام اعتماداً لهذه المراسلة الصحفية- فمارديني لا تملك حتى الآن بطاقة هوية صحفية سورية. وكذلك يجب عليها مثل الكثيرين من زملائها مراجعة المخابرات بشكل منتظم.
وتتذكَّر الصحفية مارديني أنَّها سئلت في آخر مرة تم فيها استدعاؤها إلى المخابرات حول خبر يتعلَّق بمشكلات الأكراد: “قالوا لي إنَّه كان يجب عليَّ عدم نشر هذا الخبر، وأجبتهم أنَّ هذا الخبر حقيقي وقد تم تأكيده من ثلاثة مصادر”. ثم شربت قهوتها وذهبت، على حدّ قولها.
جهاز المخابرات شريك أسرة التحرير
وتواصل الأجهزة الأمنية تدخّلاتها في عمل صحفيي الصحافة الإلكترونية السورية على الإنترنت أكثر من ذلك، مثلما يقول رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ويضيف أنَّ جميع المواقع المعلوماتية السورية تقريباً كانت تكتب في السابق حول أنشطة هذا المركز الإعلامي. ولكن تعرَّض الناشرون بعد ذلك لضغوطات من قبل جهاز المخابرات.
ويقول الناشط درويش: “إنَّهم يحصلون على تعليمات تمنعهم من نشر كلِّ شيء يتعلَّق بمركزنا”. ويتحدث كذلك عن وجود “تدخّلات يومية” في تحرير صفحات الإنترنت. ويضيف قائلاً: “يروي لي بعض الأصدقاء أنَّ رجال المخابرات يتَّصلون أحيانًا بعد بضعة دقائق من نشر خبر ما على شبكة الإنترنت وينتقدون هذا الخبر ويصفونه بأنَّه غير دقيق أو حسَّاس”. ونتيجة لذلك فإنَّ جهاز المخابرات أصبح شريكاً في عملية التحرير، على حد قول درويش. ويقول إنَّ سبب ذلك يكمن في خوف النظام من زيادة تأثير شبكة الإنترنت وما يرتبط بها من فقدان السيطرة.
تضخّم في عدد مستخدمي الإنترنت
تحتل سورية عالمياً المرتبة رقم 159 من بين 173 دولة مدرجة على قائمة الحريَّات الإعلامية التي صدرت عن “مراسلون بلا حدود”.
ويضيف درويش أنَّ عدد مستخدمي الإنترنت في سورية ازداد في الأعوام الماضية زيادة كبيرة، وأصبح في هذه الأثناء خمس السوريين تقريباً يستخدمون الإنترنت بانتظام؛ ومعظمهم يستخدمونها من داخل بيوتهم عبر خطوط هواتفهم الخاصة. ونظراً إلى الظروف السكنية والعلاقات العائلية الوثيقة في سورية يمكن افتراض أنَّ عدد مستخدمي كلِّ خط من خطوط الإنترنت يتراوح بين أربعة إلى خمسة أشخاص. وبإمكان كلّ مَنْ يرغب في عدم الالتزام بعقد مع مزوِّدي خدمة الإنترنت وفي تجنِّب التكاليف الشهرية الثابتة أن يتصفح الشبكة العنكبوتية حسب الحاجة باستخدام البطاقات مسبقة الدفع.
ومن الجدير بالملاحظة أنَّ فضل هذا التطوّر يعود أيضاً إلى دعم الرئيس السوري الشاب بشار الأسد للتكنولوجيا، حيث فتح الإنترنت بعد توليه منصبه في عام 2000 لعامة الناس. كما أنَّ حكومة الأسد تروِّج لسورية الحديثة والمفتوحة، ولكن فقط من دون توجيه انتقادات للأوضاع السياسية الداخلية. ولكن يشار إلى أن عدد المواقع الإلكترونية المحجوبة التي ذكرها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير في تقريره الذي صدر في شهر أيَّار/مايو 2009 أكثر من مائتين وثلاثين موقعاً محجوباً.
انعدام المعايير الصحفية
ومع ذلك فإنَّ المراسلة الصحفية بهية مارديني ترى أنَّ الصحفيين يتحمَّلون المسؤولية. وتقول إنَّ العديد من المواقع على شبكة الإنترنت تعمل بصورة غير جادة، وتشتكي من “الفوضى في الشبكة العنكبوتية”. وتضيف منتقدة: “كلّ صحفي يقوم هنا بإعداد موقعه الخاص، بيد أنَّ الكثير من هذه المواقع متشابهة، وتنسخ ما يُكتب في المواقع الأخرى وتستعين بوكالات الأنباء والصحف، وهذا كلّ شيء”.
وتقول مارديني مراسلة جريدة “إيلاف” الإلكترونية إنَّ الصحافة المهنية تعتبر في بلد مثل سورية مهمة جداً، من أجل تعزيز ثقة السلطات في وسائل الإعلام. ومن يبحث ويتقصى المعلومات بطرق نظيفة ولا يكثر من المبالغة ويعتمد الصيغ الموضوعية، يكون أقل عرضة للدخول في صراعات مع أجهزة المخابرات ويستطيع توسيع الفضاء الإعلامي تدريجياً. وتضيف: “لقد حلمنا دائماً في أن تكتب صحيفة سورية حول القضايا التي يتم تداولها في محكمة أمن الدولة”. وتضيف في السابق لم يكن من الممكن تصوّر ذلك وقد أصبح الآن حقيقة. ومضت مارديني تقول: “هذا يعني أنَّ هناك شيئاً قد تغيَّر وأنَّ من شأننا نحن الصحفيين توسيع هذا الفضاء، وذلك من خلال عملنا بشكل دقيق وصحيح”.
17/09/2009 – 03:55 ص
دويتشه فيله 2009

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى