الإخوان السوريون .. حصاد الرحيل واستحقاقات العودة !
عمر العزي
حين يتناول المحللون والدارسون نماذج الإخوان المسلمين في العالم العربي والإسلامي بالدراسة والتحليل فإن الأقلام تجف حين يتم التعرض للحالتين السورية والتونسية لما بينهما من عوامل مشتركة وظروف متشابهة.
كلتا التجربتين السورية والتونسية تعرضتا لقسوة مفرطة من الأنظمة الحاكمة، قتل وتشريد وسجن ومضايقات أمنية لأفرادهما، وأهم وأخطر ما في الأمر هو التهجير الجماعي والهجرة القسرية لأفراد الجماعتين عن الوطن مما أحدث فجوة كبيرة بين كل جماعة ومجتمعها وفي الممارسة العملية لفكر الجماعة داخل الوطن.
سوف نستعرض هنا التجربة الإخوانية السورية بشيء من الإيجاز، والسبب يعود إلى تسارع الأحداث المتعلقة بالجماعة وتفاعلاتها على الساحتين السياسية والإعلامية.
بعد استلام الرئيس حافظ الأسد من خلال حزب البعث السوري الحكم في بداية السبعينيات بانقلاب عسكري، واجه المجتمع السوري طريقة جديدة في الحكم تتمثل في فرض الاستقرار الحديدي الذي أوقف بعده أي انقلاب عسكري على الحكم، وتمثل في وصول شريحة محددة من المجتمع إلى الحكم وهم أبناء الطائفة العلوية التي تمثل 10% من المجتمع السوري، وتمثل في التضييق على الحريات وعلى الممارسة الديمقراطية التي كان المجتمع السوري ينعم بها قبل هذا الانقلاب.
تطورت بعض الممارسات في مواجهة نهاية السبعينيات وما بعد ذلك بين النظام وبين التيار الإسلامي الذي تم التضييق عليه واستفزازه من خلال بعض القوانين والممارسات. وانتهى الأمر بالمواجهة الكبيرة التي حدثت في مدينة حماة عام 1982م التي قضت تماما على وجود التيار الإسلامي في سوريا كتيار له وجود وكيان ونشاط، ووصلت الأمور إلى المفاصلة الكاملة بين التيار الإسلامي (المتمثل بالإخوان) وبين النظام، وأدى ذلك إلى قتل وسجن الألوف وتشريد وهجرة مئات الألوف من أبناء وأتباع هذا التيار.
لعنة الخروج
هنا تتمثل (النقطة الحرجة) في مسيرة الإخوان السوريين، حيث كان الخروج من الوطن أو الهجرة القسرية هو عامل اجتثاث حقيقي لهم من المجتمع السوري، وأصبح الإخوان خارج دائرة التأثير وخارج الأحداث وخارج حدود الجغرافيا أيضا، ودخل الإخوان متاهة الغربة التي كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها !
ثلاثون عاما من التواجد خارج الوطن أحدثت فجوة كبيرة بين المجتمع السوري وبين الإخوان، وأحدثت تغييرا دراماتيكيا في طريقة تفكير الأجيال الجديدة للإخوان، وفي نفس الوقت أحدثت شروخا فكرية وتنظيمية لدى الإخوان نتيجة هذا التشتت واختلاف الأولويات والواقع .
عند تحليل هذه المرحلة لا بد أن نسأل هل كان قرار الخروج أو الهجرة قرارا صحيحا للإخوان؟ ولو بقي الإخوان في الداخل –رغم كل المضايقات والتصفيات التي تعرضوا لها- هل ستكون المكاسب أفضل من نتائج هذه الهجرة؟
بداية لم يكن هناك قرار تنظيمي بالخروج أو الهجرة وإنما قرار شعوري جماعي نبع من أبناء وأتباع التيار أن الخروج هو استمرار لوجودهم، فكانت الضربة قاسية لم تترك خيارا إلا بين الهجرة أو الموت وكلاهما موت !
لكن بعد هذه السنوات الطويلة من البقاء خارج الوطن تبين أن الخروج كان موتا بطيئا وشبيها بالبقاء تحت الظروف القاسية تلك، وكان على التيار الإخواني أن يولد من جديد في المجتمع السوري لأنه -خلال ثلاثين عاما- لم يعد هناك شيء اسمه الإخوان في داخل سوريا سواء خرجوا بعد الأحداث أو لم يخرجوا لأنه من لم يمت بالخروج مات بغيره .
ماذا فعل الإخوان خلال ثلاثين عاما من الغربة عن الوطن؟ سؤال مهم لا بد من محاولة الإجابة عليه حتى نفهم الأحداث الحالية وكيف تجري وتتسارع.
أمراض الغربة
عانى الإخوان في رحلة الغربة من مشاكل كثيرة كان أكثرها خطرا الانشقاقات المتتالية في التنظيم إلى أن استقر الوضع بعد وحدة الجماعة وانتخاب علي صدر الدين البيانوني مراقبا عاما للجماعة ومازال مستمرا حتى الآن.
النقطة الحرجة التي تحدثنا عنها سابقا والمتمثلة في الخروج من الوطن، كان نقطة مفصلية في كثير من الأمور وليس فقط في تواجد الإخوان من عدمه. بل كانت بداية التشرذم الإخواني التنظيمي والهيكلي، والتشتت الفكري وضبابية الرؤية، والاختلاف العميق لوجهات النظر داخل الجماعة وتمايزها بين تيار مواجهة وتيار مصالحة، وبداية أيضا لخلخلة في التركيبة البنيوية والتنظيمية للجماعة، وفقدان البعد التربوي في الأجيال الجديدة المعول عليها قيادة الجماعة في المرحلة المقبلة، وبداية تغليب الجانب السياسي الإعلامي على بقية الجوانب، والتراجع عن حقوق التيار الإسلامي إلى الوصول إلى مطلب واحد فقط وهو البقاء على قيد الحياة داخل المجتمع السوري !
كل هذه الأمور وغيرها جعلت الجماعة تصل في مرحلة ما إلى نقطة الصفر أو ما تحت الصفر كبناء داخلي وتواجد على الساحة، إلى أن استلم بشار الأسد الحكم وبدأت سلسلة من الخطوات أعادت لها بريقها الإعلامي والسياسي.
العاصمة حلب
لكن من آثار الغربة أيضا ومما يؤخذ على الجماعة أنه تم تغليب طرف على طرف وغابت الشورى والديمقراطية الحقيقية داخل مؤسسات الجماعة، حيث استطاع التيار الحلبي (الإخوان الذين يتبعون محافظة حلب) أن يمسك بمفاصل الجماعة بدءًا من القيادة إلى الإدارات الصغيرة، مرورا بمراكز القرار والمؤسسات الهامة.
هذه السيطرة للتيار الحلبي له خلفية تاريخية تنبع من الخلاف التاريخي بين التيار الحلبي والتيار الدمشقي، إلى أن تخلى التيار الدمشقي عن الساحة فأصبحت المنافسة بين التيارين الحلبي والحموي، والذي كان منطلق الانشقاقات داخل الجماعة، حيث كان التيار الحلبي ينحو نحو المصالحة مع النظام أما التيار الحموي فقد كان يسمى تيار المواجهة أو المتشدد في التعامل مع النظام؛ لذلك عندما يقال إن التيار الحلبي هو الممسك بزمام الأمور فهذا يعني أن وجهة النظر لهذا التيار هي الغالبة داخل الجماعة وتمثلت في كثير من القرارات والخطوات.
ورغم المصالحة التي تمت بين الجماعة وبين المراقب السابق لها الأستاذ عدنان سعد الدين، وعودته إلى داخل الصف، يبقى هناك خلاف صامت وصاخب في نفس الوقت بين وجهتي النظر داخل الجماعة تتمثل في جذب وشد في كثير من المواقف، لكن يبقى الموقف الرسمي والخطوات العملية تنبع من مؤسسات وقيادة الجماعة التي يسمك التيار الحلبي بمعظم مفاصلها.
ومن آثار الغربة أيضا اختلال في التوازن الفكري والتنظيمي لدى الجماعة، فهناك ضعف واضح في الجانب التربوي، وهناك قلة إقبال من الشباب على أنشطة الجماعة والمشاركة فيها، وهناك سيطرة واضحة لكبار السن على مفاصل الجماعة وتغييب شبه كامل لجيل الشباب، وهناك انقلاب كامل في الأفكار والممارسة بدون تدرج طبيعي أو شورى شاملة لجميع قواعد الجماعة، وهناك تسرب لكثير من قواعد الجماعة نتيجة التغييرات التي أحدثتها الجماعة سواء الفكرية أو التحالفية أو الداخلية التنظيمية.
الثورة الفكرية
بعد تسلم الرئيس بشار الأسد زمام الحكم، حاولت الجماعة مغازلة النظام والتقرب من أجل فتح صفحة جديدة وعودة الجماعة للوطن، لكن النظام قابل ذلك بتجاهل تام، ثم كانت هناك محاولات عديدة للوساطة بين الجماعة والنظام والتي لم تنقطع أصلا حتى قبل تسلم بشار للحكم، ورغم كل هذه المحاولات فمازلت شروط النظام كما هي، الاعتذار عن أحداث الثمانينيات، العودة كأفراد من خلال البوابة الأمنية، وعدم السماح للجماعة بالعمل السياسي داخل الوطن.
خلال هذه الفترة قامت الجماعة بخطوات فكرية وتحالفية جديدة ومثيرة في نفس الوقت، فقد أعلنت عن وثيقة الشرف الوطني، ثم أعلنت انضمامها إلى تجمع إعلان دمشق الذي انطلق من داخل سوريا، ثم أعلنت عن أهم ثورة فكرية قامت بها وهي الإعلان عن المشروع السياسي لسوريا المستقبل، والذي احتوى رؤية الجماعة للمستقبل والعمل التنظيمي والسياسي وآراء الجماعة وأفكارها في كثير من الأمور، والتي أحدثت ضجيجا قويا داخل الجماعة وخارجها، حيث أنهت هذه الأفكار التردد الفكري الذي كانت تعيشه الجماعة، كما أنها جاءت من مرحلة المواجهة مع النظام وتغير الخطاب الإعلامي والسياسي.
ضجيج المشروع السياسي أثر سلبا داخل الجماعة وإيجابا خارج الجماعة، فقد كانت هناك اعتراضات كثيرة داخل الجماعة على بعض محتوى هذا المشروع وأنه مخالف لمنهج الجماعة وأفكارها الأساسية، وحدثت خلافات كثيرة نتج عنها انسحاب البعض من الجماعة وانطواء وانزواء البعض الآخر، وإقالة ومحاكمة البعض الذي كان صاخبا في اعتراضه .
ورغم تكوين لجنة شرعية لمناقشة ودراسة المشروع والخروج ببعض الملاحظات الجوهرية، فإن المشروع والمدافعين عنه ثبتوا على مواقفهم وتم اعتماده من مؤسسات الجماعة بطريقة يغلب عليها الطابع الحزبي أكثر من الطابع الدعوي والحركي والجماعي كما عبر عن ذلك معارضوه.
أما التأثير الإيجابي للمشروع فقد كان خارجيا لدى الشرائح الفكرية المخالفة للجماعة من علمانيين وليبراليين وقوميين، فقد عبروا عن سعادتهم بهذا التحول الفكري لدى الجماعة، كما لاقى المشروع قبولا لدى قيادات العمل الإسلامي في الدول العربية والإسلامية، مما أعطى المشروع ومؤيديه دعما معنويا قويا في ترسيخه وتثبيته.
لكن هل فعلا كان المشروع السياسي ثورة فكرية في تاريخ الجماعة؟ وهل اتضحت بعده رؤية الجماعة وخطتها؟
لو كانت ظروف الجماعة طبيعية ومتواجدة داخل الوطن ومتفاعلة مع المجتمع ولها أنشطة وأتباع وحراك داخلي لما كان هذا المشروع السياسي ثورة فكرية أو شيئا جديدا يقدمه الإخوان.
لكن (إخوان ما بعد الأحداث) تغيرت لديهم بعض الرؤى والأفكار، وأصبح الواقع يفرض أطروحات تناسب طبيعة المواجهة بين الإخوان والنظام، كما أن التواجد في المهجر أثر أيضا على بعض هذه الرؤى والأفكار، فكان الخروج من مسار الأزمة والعودة إلى المسار الفكري الطبيعي يستلزم مراجعة شاملة وإعادة هيكلة في جميع مساحات الجماعة، وليس فقط المشروع السياسي، لذلك كانت هذه الخطوة الأحادية التي لم ترافقها خطوات أخرى في تعديل المسار وتوضيح الرؤية كانت سببا في هذا الضجيج واعتبار هذا المشروع تجاوزا على أفكار وثوابت الجماعة.
صراع صامت داخل البيت
الحراك السياسي والفكري الذي قامت به الجماعة في السنوات الأخيرة أحدث ضجيجا داخليا كبيرا، وظهرت معارضة صامتة نوعا ما لكنها لم تصل إلى حالة الانشقاق، وظهر تيار سمى نفسه (الخط الداخلي للإصلاح) من خلال موقع على الإنترنت وإصدار بيانات ومقالات شديدة النقد للقيادة وخطواتها، ولم يعرف من هم قيادات هذا التيار الذي اختفى بعد فترة في ظروف غامضة، ولم يستطع أن يكوّن له شعبية بسبب أسلوبه اللاذع في النقد وأيضا عدم تقديمه رؤية جديدة وواضحة للعمل، إضافة إلى حالة الإحباط العام التي كان يعيشها أفراد الجماعة نتيجة الظروف الداخلية والخارجية.
كما ظهرت أيضا بعض التحركات المعارضة داخل الصف وتحركت بعض القيادات في الجماعة وقدمت رسالة أو شكوى إلى المرشد العام للإخوان حول أوضاع الجماعة والقيادة، ولكن هذه التحركات ذهبت أدراج الرياح لأسباب متنوعة.
كما ظهرت تكتلات شبابية هنا وهناك تطالب الجماعة بإصلاح داخلي شامل ووضوح في الرؤية والخروج من المأزق الحالي، وأيضا طالبت الجماعة بإعطاء فرصة للتيار الشبابي بالظهور والوصول إلى مراكز القرار، بل وصل الأمر إلى المطالبة بحل الجماعة للخروج من المأزق الحالي وطرح عمل تجديدي شامل.
ورغم خطوط المعارضة المتنوعة من بين اليمين واليسار، ورغم الاحتواء لها في كثير من الأحيان، لكنها تبقى شاهدا مهما في أن البيت الداخلي للجماعة غير مستقر ويحتاج إلى صيانة وإصلاح في كثير من أموره وشئونه.
الخلاص من الخلاص !
ضمن موجة المد العالي الذي انتهجته الجماعة بعد مرحلة المد المنخفض الذي قابلت به الرئيس بشار الأسد بعد استلامه السلطة، اتخذت الجماعة مواقف أكثر تشددا في مواجهة النظام، فأصدرت الجماعة عدة بيانات تطالب فيها بتغيير النظام وأن الخلاص منه أصبح قريبا خلال أشهر قليلة (كما عبر عن ذلك أحد بيانات الجماعة)، ثم اتخذت الجماعة خطوة من العيار الثقيل ودخلت في تحالف غريب من نوعه، إذ وضعت يدها في يد أحد أركان النظام الرئيسيين في زمن الرئيس الراحل حافظ أسد وأحد الأركان المهمشة في زمن الرئيس الحالي بشار الأسد وهو نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام الذي ظهر فجأة في باريس وأعلن معارضته للنظام.
هذه الخطوة طرحت أسئلة كثيرة لم يكن لها إجابات واضحة عند الجماعة أو حتى عند المحللين: من الذي استفاد من الآخر خدام أم الإخوان؟ ماذا لدى خدام من معلومات حتى يدخل معه الإخوان في تحالف خطير؟ ما الذي تغير في خدام –رغم تاريخه المعروف داخل الوطن- حتى تقبل به الجماعة كأحد المعارضين وتقبل به رئيسا لجبهة الخلاص الوطني التي تم تشكيلها بين الطرفين؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لم تجد أجوبة صريحة وواضحة، بل كان الجواب النهائي على كل شيء هو الدخول في تحالف مع أي جهة تريد تغيير النظام وتساعد على إنهائه.
بعد ثلاث سنوات شعر الإخوان أن هذا التحالف فاشل وسوف يكون سببا في فشل بعض المشاريع الأخرى، لقد اتضح أن عبد الحليم خدام لا يملك تلك القوة أو العلاقات التي يستطيع أن يبني عليها مشروعا تغييريا في سوريا، كما أن نبوءاته حول النظام لم تتحقق، أضف إلى ذلك الصدى السلبي لهذا التحالف لدى الصف الداخلي للجماعة وفي داخل الوطن وأيضا لدى بقية التيارات الإسلامية الأخرى، كل هذا كان من مبررات الخلاص من الخلاص، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة والخطوة الأغرب في تاريخ الجماعة !
معارضة بدون معارضة !
جاءت أحداث الحرب على غزة وظهر فيها النظام السوري كداعم قوي للمقاومة من خلال تبنيه حركات المقاومة الإسلامية وخاصة حماس، وكان الجميع يقف مع حماس والمقاومة الفلسطينية وبالتالي فالجميع يقف بطريقة غير مباشرة مع النظام السوري.
هنا وجد الإخوان فرصة تاريخية لرمي الكرة مرة أخرى في ملعب النظام، فكان بيان (تعليق المعارضة) الشهير الذي يصدر لأول مرة في تاريخ المعارضات العربية والإسلامية، حيث ذكر البيان أن أحداث غزة تقتضي الوقوف إلى جانب المقاومة، وهذا يستدعي توجيه الطاقات لهذا الدعم، وذكر البيان أن تعليق المعارضة هو من أجل هذا الأمر وحشد الجهود للمعركة الرئيسية.
التفسير الآخر الذي تداوله الكثير من المحللين من داخل وخارج الإخوان أيضا، هو أن (تعليق المعارضة) خطوة من خطوات كثيرة يقوم بها الإخوان لإنفاذ وساطة محددة تقوم بها جهات مقربة من النظام السوري. فكان من متطلبات إنفاذ هذه الوساطات هو الخلاص من الخلاص، فأصدرت جبهة الخلاص بيانا تستنكر فيه موقف الإخوان وتعليق معارضتهم، ثم رد الإخوان ببيان على الجبهة وبرروا موقفهم بالتعليق.
لكن الأمور تطورت بشكل سريع وأصدر الإخوان بيانا يعلنون فيه انسحابهم من جبهة الخلاص الوطني بسبب تعدي بعض أعضاء الجبهة على ثوابت التيار الإسلامي حسب بيان الإخوان.
صفقة تنتظر التصفيق
طبعا هذا التبرير غير مقنع لكثير من المراقبين، وإنما كان الهدف هو الخروج من الجبهة والخلاص منها بأسرع طريقة حتى يتم تنفيذ بقية الخطوات حسب بعض المصادر.
فكان بيان التعليق أولا ثم الانسحاب من جبهة الخلاص، وجميع هذه الخطوات أفرحت النظام السوري لأنها تصب في مصلحته، فكان يهمه تدمير جبهة الخلاص، وكان يهمه أن يعلق الإخوان معارضتهم، وكان يهمه أن تنتهي أي معارضة خارجية، وهذا ما حدث.
ولعل هذا ما يبرر الكلام حول صفقة تسوية بين النظام والإخوان تدور حول تخلي الإخوان عن أي جبهة معارضة وأن يعلنوا تعليق أو إيقاف معارضتهم، ويعلنوا أيضا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مسئوليتهم عن أحداث الثمانينيات ويعتذروا عنها بطريقة أو بأخرى، مقابل أن يلغي النظام قانون 49 الذي يقضي بإعدام كل منتسب للجماعة، وأيضا يسمح بعودتهم فرادى مع تخفيف الناحية الأمنية، وأن يتم إغلاق ملف المعتقلين نهائيا وعدم المطالبة بأية حقوق أو فتح ملفات في القضاء.
كما تشمل الصفقة عدم السماح للجماعة بالعمل السياسي داخل الوطن والظهور إما بصورة حزب جديد أو بالاندماج مع أطراف أخرى.
هذه أهم بنود الصفقة التي يتحدث عنها البعض أو الذي تسرب منها، وربما هناك تفاصيل أخرى غير واضحة، والذي ثبت الآن أن الأتراك وجبهة العمل الإسلامي هم من يقوم بهذه الوساطة وترتيب هذه الصفقة.
البحث عن مدخل
ربما يتشدد البعض في الرد على الإخوان ومهاجمتهم في خطواتهم السياسية والإعلامية والتي تدور حول العودة إلى الوطن ويتهمهم أنهم تنازلوا كثيرا وتخلوا عن كثير من الثوابت والمبادئ والأفكار، وربما يرى البعض الآخر (حتى داخل الجماعة) أن خطوات الجماعة غير كافية وعليها أن تبذل جهدا أكبر للعودة والتنازل عن بعض الأفكار والمواقف لأجل تحقيق المصلحة الأكبر وهي العودة إلى الوطن.
وهذا ما يمثله صوت الدكتور محمد سعيد حوى الذي أعلن عن دراسة ذكر فيها أن الجماعة هي التي تتحمل مسئولية جزء كبير من الأحداث، وأن الجماعة تعاملت بطريقة متطرفة مع النظام ووصفته بأوصاف فقهية وشرعية غير صحيحة، وأن عليها أن تفصل بين السياسي والدعوي، وأن عليها العودة والوقوف مع النظام ضد جميع الأعداء.
وهذا الصوت لا تكمن الغرابة والمفاجأة في الأفكار التي يحملها فقط، وإنما في كونه صوت حموي (من أهل حماة) وأنه ابن الشيخ سعيد حوى أكثر القيادات الإخوانية مواجهة للنظام، وعندما يكون هذا الصوت الحموي بهذه المواصفات فهذا يعني الكثير جدا للنظام.
ورغم اتفاق الجميع على أهمية العودة والعمل داخل الوطن، فإن الخلاف يكمن في كيفية العودة وما بعد العودة، هنا تكمن التعقيدات واختلاف الآراء والضجيج الذي يملأ داخل الإخوان وخارجها.
وعلى الإخوان أن يحسنوا الاختيار بين مجموعة من الحلول والاختيارات المعقدة والصعبة جدا، كما أن الإخوان مطالبون بتوضيح الرؤية وطريقة العمل وخط السير والأهداف القريبة والبعيدة، لأن التنقل من مسار لآخر وتغيير المواقف والرؤى قد يفكك بقية الجسد الذي انهارت منه أجزاء كثيرة.
عملية الترميم التي يحتاجها الإخوان كبيرة جدا وتشمل جميع النواحي بدءا من القيادة وحتى القواعد، مرورا بجميع مؤسسات الجماعة؛ لأن الجماعة تعاني من خلل داخلي كبير وانفراط عقد كثير من القواعد وتسرب الطاقات وابتعاد الكثير من المحبين والأتباع، والعودة بهذا الشكل يعني أن هناك ثلاثين عاما قادمة فقط للبناء والترميم الداخلي !
وهنا يجب أن يسأل الإخوان أنفسهم: هل المشكلة والقضية في البحث عن مدخل والدخول منه للوطن أم القضية والمشكلة فيما بعد الدخول؟ كيف يتم الدخول؟ وأين يتم الجلوس؟ والخوف كل الخوف من العثور على مدخل ثم البحث بعد ذلك عن مخرج منه!
كاتب ومحلل سياسي متخصص في التيارات الإسلامية
اسلام أون لاين