خطأ يجب إصلاحه !
ميشيل كيلو
في أواسط عام 1976، وخلال زيارة قام بها إلى دمشق، قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق سيروس فانس: إن بلاده ستعالج ملفات السلام واحدا بعد آخر، بدءا بالمصري فالأردني فالسوري فالفلسطيني، وستشرك السوفييت في أي مسار يريد أصحابه مشاركتهم فيه، كالمسار السوري والفلسطيني.
بعد أقل من عام على هذا التصريح، أعلنت واشنطن تبدلا في مخططها أحل المسار الفلسطيني محل المسار السوري، الذي صار آخر مسار تريد أميركا حل مشكلاته. لم تول الديبلوماسبة السورية في حينه كبير اهتمام لهذا التغيير، ولم تعترض عليه، مع أنه وضع ترتيبا جديدا للأمور، جعل المسار السوري أصعب المسارات، وأجل السلام عليه إلى ما بعد حل المشكلة الفلسطينية، التي لم يبد لها في الماضي ولا يبدو لها اليوم أيضا، حل منظور، لشدة ما أدخل إليها من تعقيد وتشابك، ولكون شكل الحل على مسارها سيقرر مصير الطرف الآخر، الإسرائيلي، رغم أنه لن يفضي بالضرورة، مثلما هو الحال على المسارات الأخرى، إلى إنهاء الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي.
واليوم، والمسار الفلسطيني ينتقل من تعثر كبير إلى تعثر أكبر، والحل على المسار السوري مجمد إلى إشعار آخر، لأسباب أميركية وإسرائيلية وعربية كثيرة، يصير من الضروري إجراء مقاربة جدية لما أبطل الحل الفلسطيني وعطل المسار السوري، وسمح لإسرائيل بالتوسع الاستيطاني في أراضي فلسطين وسورية المحتلة، باعتبار أنها تدير مناطق متنازعا عليها، ولا يحتل أراضي دول أعضاء في هيئة الأمم المتحدة حصلت على اعتراف دول العالم جميعها بحقها في استعادتها. إلى ذلك، فإن هذا الترتيب، الذي جعل الحلول مستحيلة عمليا، لأنه يبدأ من معالجة المشكلة الأصعب فالأسهل، وليس العكس، مكن أميركا من إغلاق المسار السوري طيلة نيف وربع قرن، وحال بين بقية دول العالم وبين أخذ دور مقرر فيه : مباشرة أو بالواسطة، فلا حركة عليه إلا بإذن واشنطن، ولا تحريك له إلا بموافقتها وعلى قدر مصالحها.
ثمة الآن حاجة ماسة إلى أحد بديلين:
– استعادة ترتيب فانس لعام 1976، حيث كان المسار السوري مصنفا قبل الفلسطيني. أو
– إدخال المسار السوري في سياق تفاوضي تشارك فيه أميركا، يتلازم مع المسار الفلسطيني تلازما يعبر عن هدفهما المشترك، الذي يجب أن يترجم إلى واقع ملموس، خلال فترة زمنية ملزمة.
في الحالة الأولى: لن يكون مقبولا استمرار تجميد المسار السوري، أميركيا وإسرائيليا. ولا بد من تحريكه بجهد عربي وإقليمي ودولي يحقق تسوية سريعة ونهائية عليه، يطلق بلوغها دينامية التسوية على المسار الأخير ؛ الفلسطيني، بصعوباته التي تتطلب جهدا عربيا جامعا، يجب أن يكون فعالا ومؤذيا لأميركا وإسرائيل، في حال تواصل الاحتلال. إن حسم الأمور على المسار السوري ليس سهلا، فإسرائيل تعتبر الجولان خط دفاع عن فلسطين المحتلة ومنصة قفز على المشرق العربي، بينما تربط أميركا،بتجميده، استراتيجيات إقليمية ودولية تتخطاه وتتجاوز الصراع الإسرائيلي ضد العرب.
وفي الحالة الثانية، يجب تجميد أي مشروع للتسوية، وأية علاقات عربية مع إسرائيل، من أي نوع كانت، ومن الضروري تطوير موقف عربي عملي يتخطى مشروع الملك عبد الله، يقنع أميركا باستحالة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، ويرفض دور واشنطن في إدامته. هذا الجهد هو شرط لا بد منه لبدء مفاوضات يمكن أن تؤدي إلى انسحاب الاحتلال من الأرض السورية وإلى حل على المسار الفلسطيني، على أن يواصل الجهد العربي، المطلوب خلقه هو أيضا، دعم موقف سوريا وفلسطين حتى الحل. قبل هذا وذاك، لا بد من تنسيق فلسطيني/ سوري يستطيع إحداث فرق حقيقي في حاضر ومستقبل العرب، وإلا فإن أحدا لن يتمكن من انتزاع الأرض الفلسطينية من العدو وبلوغ حل لمشكلة اللاجئين. هذا كله محال دون مصالحة فلسطينية/ فلسطينية توقف التبعثر الوطني في فلسطين والعربي خارجها، وتضع حدا للعجز العربي العام، الذي لا يفيد منه أحد غير الاحتلال.
يجب أن لا يعتقد أحد أن التسوية السلمية قريبة أو سهلة المنال. الأصح أن أجواء المنطقة تنحو أكثر فأكثر نحو توتر متشعب المكونات يمكن أن ينقلب في أي لحظة إلى حرب، هي في اعتقادي الاحتمال الأرجح، الذي يجب أن يحظى بالأولوية، علما أن الاستعداد للحرب كثيرا ما يكون بوابة السلام ومدخل التسويات العادلة.
المستقبل