الإعلام السوري “المستقل” ما بين المنع والتحوير
عامر خ. مراد – محي الدين عيسو
من المعروف أن الإعلام في ظل التطوّر والتواصل الهائل الذي يشهده العالم يمكن أن يكون له دور كبير في تغيير نمط وسلوكية الآخر اتجاهنا بنفس الدرجة لدور الإعلام الحرّ في دَعم الديمقراطية والتنميّة على المستوى الوطنيّ.
وسوريا كانت تاريخياً من أوائل الدول في العالم العربيّ التي انتشرت فيها الصحافة المطبوعة، عندما صدرت أول مجلة عام 1851 بعنوان ” مجمع الفوائد ” ولكن بعد مرور عقود طويلة ومنذ أكثر من أربعة عقود على الأقل والإعلام السوري في ركودٍ وتراجع، ويراوح مكانه، ولا يجد من ينتشله من أزمته التي غدت مرئيّة، ومسموعة، ومكتوبة، بسبب الإيديولوجية الأحادية التوجّه المعبّرة عن الرأي واللون والشكل الواحد وهذا ما لم يَنْل المصداقيّة والثقة الحقيقيّة من لدُن المثقّف والقارئ والمتابع والمواطن العاديّ، وقد أُلغيت روح المبادرة والإبداع والتطوّر لدى الصحفيّ والإعلاميّ السوريّ من خلال جَعْل الخوف سيّد الموقف والرقابة الذاتيّة الصّارمة التي يمارسها الكاتبُ بحقّ ذاته في الصحافة الرسميّة. ما أدّى إلى صَمْت الكوادر الصحفيّة على حقّها في حرية التعبير والنقد والكتابة ورَصْد آراء المواطنين في جميع المسائل والقضايا على جميع الصُعد المعيشية والسياسية والاجتماعية…
قانون ومراسيم مطبوعات
مع دخول سوريا الألفية الجديدة صدر قانون المطبوعات السوري رقم 50 تاريخ 2001حيث منح القانون السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء سلطات مطلقة فيما يخص ترخيص المطبوعات أو رفضها، حيث ترك هذا الموضوع لتقديرات رئيس الوزراء لمدى موافقة ذلك للمصلحة العامة، وهو الذي يقدر هذه المصلحة العامة وما إذا كان منح هذه الصحيفة الترخيص يضر أولا يضر المصلحة العامة، وذلك وفق المادة 12 الفقرة \ أ\ ولم يضبط القانون ماذا يعني مفهوم المصلحة العامة ولكنه تركه عاما تقديريا، تحدده السلطة التنفيذية وفق ما تراه .كما يمكن لرئيس الوزراء وبناء على اقتراح من وزير الإعلام أن يلغي رخصة أي صحيفة أو مجلة وذلك وفق المادة \22\ من المرسوم التشريعي رقم 50 ولتكامل الرقابة أكثر من قبل السلطة التنفيذية، وضع المرسوم التشريعي ضوابط محددة للصحفيين العاملين في وسائل الإعلام المختلفة، وذلك بان يكونوا مسجلين في اتحاد الصحفيين لكي يتمكنوا من الحصول على بطاقة صحفية يمنحها وزير الإعلام، وهذه تكون صالحة لمدة سنة واحدة وذلك وفق المادتين \27،28 \ .
واستكمالا لنظام الرقابة الصارم تابع المرسوم في تحديد الأوراق والوثائق والكتب والمقالات التي تحظر على الصحفيين رصدها وتناولها, وكذلك فإن هذه المادة تنتهك حقا أساسيا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 19المتعلقة بحق الحصول على المعلومة مع معرفتنا أن الدستور السوري لا يسمح بالحق في الحصول على المعلومات, وتعاقب المادة 51 الكاتب والصحفي بتهمة نقل أنباء كاذبة .
ولذلك يبقى الإعلام السوري كلّه مثل فرقة سيمفونية يقودها مايسترو هو وزير الإعلام، وكل عازفيها ينظرون إلى العصا التي يحملها المايسترو ويعزفون حسب حركتها بحسب تعبير وزير الإعلام السوري الراحل أحمد اسكندر.
أول تجربة ( مستقلة )
بعد صدور القانون المذكور بدأت مجموعة من طلبات الترخيص لصحف مستقلة تنهال على أبواب وزارة الإعلام وكانت
أول صحيفة يتم الترخيص لها وتروج بشكل كبير وواسع هي صحيفة الدومري التي انطلقت قوية وبدأت تمارس دورها
الحقيقي في النقد والكشف عن مواضع ومواطن الخطأ والخلل في كل زاوية من زوايا النشاط والعمل في هذا الوطن وبغض النظر عن كونها أماكن حكومية أو خاصة ولكن توزيعها الهائل وجرأتها على الطرح أوقعاها فريسة وهدفا للمنع والحظر والإغلاق يقول الكاتب والصحفي السوري عمر كوجري :”خلال فترة وجيزة استطاعت الدومري أن تجذب الأضواء إليها، ولأول مرة شهدت التقاليد الصحفية والصحافة في سورية أن جميع أعداد صحيفة غير رسمية تباع وخلال ساعات من يوم صدورها، « كتب في أعلى الصفحة من العدد الثاني المرتجع: صفر» ويقول صاحبها وناشرها علي فرزات إن الدومري أغلقت لأنها كانت تعبر بجرأة عن صوت المهمشين، وأعلنت الحرب على الفساد والمفسدين، وهذا ما أزعج البعض وبحث عن مسوغات إغلاقها بأية طريقة، فقد كان المسوّغ أن ثلاثة أشهر مضت على طباعة آخر عدد، وهذا يمنح الحقوق للجهة المانحة للرخصة سحب الرخصة من الصحيفة، وبالفعل صدر قرار رئيس مجلس الوزراء السوري آنذاك محمد مصطفى ميرو المرقم (6061) تاريخ 31/7/2001 والقاضي بإلغاء ترخيص “الدومري” أي أنهم لم ينتظروا يوماً واحداً كي تسوي الصحيفة أمورها”, ويبقى السؤال هو هل كانت الدومري صحيفة مستقلة تماما ذلك السؤال الذي يطرحه وجودها في ظل قانون المطبوعات نفسه وفي هذا الأمر يقول الأستاذ الصحفي إبراهيم اليوسف قائلا:” حتى جريدة “الدومري” التي تم إيقافها( وولدت في ظل قانون المطبوعات السوري)وكان إيقافها انتهاكاً لحق إبداء الرأي، لا يمكن الحديث عنها بأنها جاءت بمعزل عن سياسات الإعلام العامة، وغير ذلك، لكن قدرها، أو سوء قراءتها لطبيعة اللحظة، أوقعاها فريسة للمصير الذي آلت إليه، وكان ما منح لها من مفاتيح، لم يمنح من قبل ، ومن بعد، لأحد البتة، للعب دور معين، خرجت عليه، نتيجة ما سبق وأشرت إليه، بل ولعلها- نفسها- لم تؤمن بالرأي الآخر، وامتنعت عن نشر آراء بعض من أسيء إليهم على صفحاتها”,وبعد سلسلة من المضايقات تم التوقيف بالقرار المذكور وإلغاء الترخيص.
الوطن بعيدة عن الاستقلالية
وإذا ما تحدثنا عن صحيفة الوطن التي ما زالت تصدر إلى الآن على أنها مستقلة وكتجربة كان من المفترض أن تستفيد من تجارب سابقاتها, فإن الكثير من الآراء ترجح بعد هذه الصحيفة عن أي نوع من الاستقلالية رغم صدورها من المنطقة الحرة ولكنها تخضع تماما لقانون المطبوعات المعمول به وكثيرا ما تجرى مقارنات بينها وبين صحف محلية رسمية على أنها أكثر جرأة من الوطن, وأما عن بعض الدعاوى التي رفعت ضدها والتي كانت لأسباب شخصية خاصة ببعض الكتاب والصحفيين فلم تعتبر ضغطا حقيقيا على الصحيفة وليست بأي شكل من الأشكال محاولة لإغلاقها أو حتى بداية لنهاية فيقول الصحفي مازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير أن ” الدعاوى التي رفعت على جريدة الوطن هي من صحفيين و كتاب مستقلين نتيجة لقيامها بنشر أخبار خاطئة تشير إلى علاقة بين هؤلاء الكتاب و الخارجية الإسرائيلية وهي تعبر عن حق شخصي و لا تدخل في إطار ضغوط أو محاولة لإغلاق جريدة الوطن التي هي خاصة لجهة الملكية و رأس المال و لكن لا يمكن اعتبارها ضمن مفهوم الصحافة المستقلة”.
ولكي لا تتعرض الوطن لنفس ما تعرضت له الدومري فلقد بدأت تميل الميلة الكبرى نحو القضايا التي تطرحها الصحف
الرسمية دون أي اختلاف ولتكون هذه الميلة هي الضربة التي قصمت ظهرها وحورتها عن خطها المستقل لصالح
استمرارها ولو على الشكل شبه الرسمي .
ومن خلال السرد السريع لواقع هاتين الصحيفتين يتبين بأن مجرد تسلط القانون يعني انتفاء أي شكل من أشكال الاستقلالية لأي صحيفة وإن كانت التسميات والألقاب والصفات ما هي إلا دعائية ترويجية فيضيف إبراهيم اليوسف:” لا يمكن أن يتم التحدث –الآن-عن أية صحيفة، في ظل قانون المطبوعات الحالي، على أنها مستقلة، حتى وإن وجدنا بين حين وآخر،مقالاً هنا وآخر هناك، يتخطى الإشارات الحمراء،الموضوعة، لأن مثل هذا الأمر بدوره، يكون نتيجة توجيه من وراء الكواليس، لا أكثر، خاصة إزاء مؤسسة ما، يراد تغيير المسئول عنها، حتى وإن كانت وزارة، أو وزيراً,طبعاً، هنا لا أريد أن أتحدث عن صحيفة معينة دون غيرها، على أنها مستقلة، أو غير مستقلة،لأنه لا يمكن الحصول على- ترخيص ل-أي صحيفة، إلا ضمن شروط محددة،بحيث يصبح القيم على هذا المنبر شرطياً، يمارس دوره على ما يقدم من مواد للنشر, وإقامة دعوى على هذه الجريدة، أو سواها، لا تعني بأي حال أنها مستقلة، وأنها تمثل نبض الصحافة اليومية، بل –والشارع- بالمعنى العام، لا القانوني”.