حاجة العرب إلى التنمية المستدامة (*)
الدكتور عبدالله تركماني
تعود أصول التأخر العربي إلى سنوات الحقبة الاستعمارية، حيث أُجبر العالم العربي، كما هو الحال في جميع بلدان عالم الجنوب، على التخصص في إنتاج المواد الأولية الاستخراجية والزراعية لتصديرها بأسعار بخسة إلى الدول الاستعمارية.وبيّنت مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي حاجتنا الملحة إلى تنمية شاملة، ازدادت أهميتها مع تفاقم تحديات التأخر في العالم العربي.
وتتضح حاجتنا إلى التنمية الشاملة – أكثر فأكثر – إذا علمنا، طبقا للتقرير الخامس لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان ” تحديات أمن الإنسان في البلدان العربية ” لسنة 2009، بالعناصر السبعة التي حددها التقرير كمؤشرات دالة على هشاشة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في المنطقة العربية: أولها، الأمن الاقتصادي الذي يتهدده الفقر. وثانيها، الأمن الغذائي الذي يتهدده الجوع والمجاعة. وثالثها، الأمن الصحي الذي تتهدده أشكال الأذى والأمراض. ورابعها، الأمن البيئي الذي يتهدده التلوث واختلال التوازنات الأيكولوجية ونضوب الموارد. وخامسها، الأمن الشخصي الذي تتهدده الجريمة والعنف. وسادسها، الأمن السياسي الذي يتهدده القمع بكل أشكاله البدنية والمعنوية. وسابعها، الأمن الاجتماعي الذي تتهدده النزاعات الإثنية والطائفية وغيرها.
إنّ نجاح الخطط التنموية العربية والتعاطي المجدي مع تحديات العولمة واقتناص فرصها، يتطلبان توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين العرب من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات.
وانطلاقاً من أنّ الناس لا ينظرون إلى المستقبل على أنه ذلك المجهول الذي لا يمكن معرفة مكنوناته والتحكم في مجرياته، بل باتوا يخططون له ويعملون على التأثير في اتجاهاته الرئيسية. فإننا نرى أهمية صياغة تصورات أولية للتنمية العربية في المستقبل، منطلقين من أنه لم يعد ممكناً الكفاح ضد ” النظام العالمي ” من خارجه، فالعالم أضحى اليوم ” قرية صغيرة ” أطرافه مترابطة ومتبادلة المنافع. مما يجعلنا ندرك أنّ قوة العالم العربي وقدرته على التعامل المتكافئ مع العالم الخارجي إنما هما مرهونتان – أساساً – بقدرة أقطاره على التنسيق والتكامل فيما بينها، وعلى خلق سوق عربية واحدة، تحقق الكفاية والفاعلية الاقتصادية من ناحية، والقدرة على تقليص التبعية والتعامل المتكافئ مع الخارج من ناحية أخرى.
مما يتطلب ضرورة الانطلاق من الأهداف والمنطلقات التالية:
ـ رفع مستوى الأداء الاقتصادي، أي رفع مستوى الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج القومي، ضمن نمط قطاعي متوازن قدر الإمكان.
ـ إتاحة المزيد من السلع والخدمات التي تلبي الحاجات الأساسية للشعوب العربية.
ـ توفير فرص العمالة المنتجة ومحاولة خفض البطالة، المكشوفة والمقنّعة، وتعبئة المزيد من الموارد البشرية بما يؤدي إلى تأمين المزيد من القدرة الشرائية في يد العدد الأكبر من المواطنين العرب.
ـ إصلاح نمط توزيع الدخل داخل الأقطار العربية.
ـ تقليص الفجوة التنموية بين أقطار العالم العربي.
ـ تطوير قدرة البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بحيث تستطيع أن توفر للاقتصاد الأفكار والمعارف والمواقف والمؤسسات الضرورية للتحرك الاقتصادي بكفاءة، بحيث يكون نموه وتحسن أدائه متواصلاً.
ـ تحقيق مشاركة شعبية واسعة، واتخاذ القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتصلة باستراتيجيات وسياسات التنمية.
إنّ المسألة ذات التأثير البالغ على مستقبل التنمية العربية تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، فالكثير من أسباب فشل التنمية العربية يعود إلى الوهم بإمكان تعجيل التنمية الاقتصادية في غياب تحرك واضح في اتجاه التحديث السياسي.
ولعل أبرز المهمات العاجلة للبدء بالاصلاح الشامل: احترام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان العربي، باعتباره حجر الزاوية في بناء الحكم الصالح والقادر على إنجاز التنمية المستدامة، وتمكين المرأة العربية من بناء قدراتها الذاتية والمشاركة على قدم المساواة مع الرجل في جميع مجالات العلم والعمل والإبداع، واكتساب المعرفة وتوظيف القدرات البشرية العربية بكفاءة في النشاطات الاجتماعية لتحقيق الرفاه الإنساني في المنطقة العربية.
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
(*) – نُشرت في صحيفة ” المستقبل ” اللبنانية – 26/9/2009.